وبينما أنا في هذه الحالة الكئيبة الحزينة البائسة اذ تمثّل أمامي رجلٌ. فقال:
(أنفقَت جميع رأسمالك سدىً، وصرتَ مستحقاً للعقاب، وستذهب الى البلد الذي تريدُه خاويَ اليدين. فان كنتَ فطناً وذا بصيرة فبابُ التوبة مفتوحٌ لم يغلق بعدُ. فبإمكــانــك ان تدّخر نصـــف ما تحــصـل علــيه، مما بقي لك من الـلــيرات الخمس عشرة لتشتري بعضاً مما تحتاج اليه في ذلك المكان..) فاستشرتُ نفسي فاذا هي غير راضية بذلك، فقال الرجل:
- (فادّخر اذن ثُلُثَه). ولكن وجدتُ نفسي غير راضية بهذا ايضاً. فقال:
- (فادّخر ربُعَهَ). فرأيتُ نفسي لا تريد أن تَدَع العادةَ التي اُبتلَيت بها. فأدار الرجلُ رأسه وأدبر في حدّةٍ وغيظٍ ومضى في طريقه. ثم رأيتُ كأن الأمور قد تغيّرت. فرأيت نفسي في قطار ينطلق منحدراً بسرعة فائقة في داخل نفق تحت الارض، فاضطربت من دهشتي، ولكن لا مناص لي حيث لا يمكنني الذهابُ يميناً ولا شمالاً. ومن الغريب أنه كانت تبدو على طرفَي القطار أزهارٌ جميلة جذابة وثمارٌ لذيذة متنوعة فمددتُ يدي - كالاغبياء - نحوَها اُحاول قطفَ أزهارها واحصل على ثمراتها، الاّ انها كانت بعيدةَ المنال، الأشواكُ فيها انغرزتْ في يدي بمجرد ملامستها فأدْمَتها وجرحَتها والقطارُ كان ماضياً بسرعة فائقة فآذيتُ نفسي من دون فائدة تعود عليّ. فقال أحد موظفي القطار: (اعطني خمسة قروش لأنتقيَ لك الكميةَ المناسبة التي تريدُها من تلك الأزهار والأثمار، فانك تخسر بجروحك هذه اضعافَ اضعافِ ما تحصل عليه بخمسة قروش فضلاً عن ان هناك عقاباً على صنيعك هذا، حيث أنك تقطفها من غير إذن.) فاشتدّ عليّ الكربُ في تلك الحالة فنظرت اتطلّع من النافذة الى الامام لأتعرّف نهايةَ النفق، فرأيت أن هناك نوافذَ كثيرةً وثغوراً عدة قد أحلّت محلَّ نهاية النفق وأن مسافري القطار يُقذَفون خارجاً من القطار الى تلك الثغور والحفر، ورأيت أن ثغراً يقابلني أنا بالذات اُقيمَ على طرفيه