الكلمات | الكلمة الثالثة والعشرون | 431
(405-435)

يستحق أن يقابَلَ باللطمة والصفعة. وكذلك الانسانُ اذا أنكر رحمةَ خالقه وأتهم حكمتَه وقال مثل ما قال قارون جاحداً النعمة. ﴿إنّما اُوتيتُهُ على عِلمٍ عندي﴾(القصص: 78) فلاشك انه يعرِّض نفسَه للعذاب. فهذه المنزلة والسلطنة التي يتمتع بها الانسانُ اذن وهذه الترقيات البشرية والآفاق الحضارية ليست ناشئة من تفّوقه وقوةِ جدالِه وهيمنةِ غلبتِه ولا هو بجالب لها، بل مُنحت للانسان لضَعفه ومُدّت له يدُ المعاونة لعجزه، واُحسنتُ اليه لفقره، واُكرم بها لإحتياجه. وأن سبب تلك السلطنةِ ليس بما يملك من قوةٍ ولا بما يقدِرُ عليه من علمٍ بل هو الشفقةُ الربانيةُ ورأفتُها والرحمةُ الإلهية وحكمتُها التي سَخَّرت له الأشياءَ وسلَّمتْها اليه. نعم ان الانسان المغلوبَ أمام عقرب بلا عيون وحية بلا ارجل ليست قدرتُه هي التي ألبَستْه الحريرَ من دودة صغيرة واطعمته العسلَ من حشرة سامة، وانما ذلك ثمرةُ ضعفه الناتجة من التسخير الرباني والإكرام الرحماني.
فيا أيها الانسان! ما دامت الحقيقة هكذا فدع عنك الغرورَ والأنانية، وأعلن أمامَ عتبة باب الألوهية عجزَك وضعفَك، اعلنهما بلسان الإستمداد، وأفصِح عن فقرك وحاجتك بلسان التضرع والدعاء، وأظهِر بانك عبدٌ لله خالص قائلاً:
(حَسْبُنا الله ونِعَم الوكيلُ) فارتفعْ وارتقِ في مدارج العلا.
ولا تقل: (أنا لست بشئ وما أهميتي حتى يُسخرَّ لي هذا الكون من لدن الحكيم العليم عن قصد وعناية وحتى يطلب مني الشكر الكلي).
ذلك وان كنتَ بحسب نفسِك وصورتِك الظاهرية في حكم المعدم، إلاّ انك بحسب وظيفتك ومنزلتك مُشاهدٌ فَطِنٌ، ومتفرجٌ ذكي على الكائنات العظيمة. وانك اللسانُ الناطق البليغ ينطق باسم هذه الموجودات الحكيمة.. وانك القارئ الداهي والمطالعُ النبيه لكتاب العالم هذا.. وانك المشرف المتفكر في هذه المخلوقات المسبّحة.. وانك بحكم الاستاذ الخبير والمعمار الكريم لهذه المصنوعات العابدة

لايوجد صوت