الكلمات | الكلمة الثالثة والعشرون | 426
(405-435)

حيوان كالعصفور وان كان أسمى وأتم من الحيوان من حيث رأسماله بمائة درجة. ولقد وضّحتُ هذه الحقيقة بمَثَلٍ أوردتُه في موضع آخر وسأعيدُه هنا بالمناسبة:
ان رجلاً منح خادَمه عشرَ ليراتٍ ذهبية وأمره أن يفصّل لنفسه بدلةً من أجود أنواع الأقمشة. وأعطى لخادمه الآخر ألفَ ليرة ذهبية الاّ انه أرفق بالمبلغ قائمة صغيرة فيها ما يطلبُه منه، ووضع المبلغَ والقائمةَ في جيب الخادم. وبعثهما الى السوق. اشترى الخادم الأول بدلةً أنيقة كاملة من أفخر الأقمشة البديعة بعشر ليرات. أما الخادمُ الثاني فقد قلّد الخادم الأول وحذا حذوه، ومن حماقته وسخافة عقله لم يراجع القائمة الموجودة لديه، فدفع لصاحب محلٍ كلَّ ما عنده ألفَ ليرة. وطلب منه بدلةً رجاليةً كاملة، ولكن البائع غيرَ المُنصف اختار له بدلةً من أردأ الأنواع، وعندما قفل هذا الخادمُ الشقيُ راجعاً الى سيّده، ووقف بين يديه، عنَّفه سيدُه أشدَّ التعنيف وأنّبه أقسى التأنيب وعذَّبه عذاباً أليماً.
فالذي يملك أدنى شعورٍ وأقلَّ فطنةٍ يدرك مباشرةً بأن الخادم الثاني الذي مُنح ألف ليرة لم يُرسَل الى السوق لشراء بدلة، وانما للأتّجار في تجارة مهمة جداً.
فكذلك الانسان الذي وُهب له هذه الاجهزةُ المعنوية واللطائف الانسانية التي إذا ما قيست كلُّ واحدةٍ منها بما في الحيوان لظهرتْ انها أكثرُ انبساطاً واكثرُ مدى بمائة مرّة. فمثلاً: أين عينُ الانسان التي تميّز جميعَ مراتب الحسن والجمال؟ وأين حاستُه الذوقية التي تميّز بين مختلف المطعومات بلذائذها الخاصة؟ وأين عقلُه الذي ينفذ الى قرارة الحقائق والى أدق تفاصيلها؟ وأين قلبُه المشتاق المتلهّف الى جميع انواع الكمال؟ أين كل هذه الأجهزة وأمثالها مما في الآلات الحيوانية البسيطة التي قد لا تنكشف الاّ لحد مرتبتين اوثلاث!! فيما عدا الاعمال الخاصة المناطة بجهاز خاص في حيوان معين، والذي يؤدي عمله بشكل قد يفضل ما عند الانسان الذي ليس من مهمته مثل هذه الاعمال والوظائف.

لايوجد صوت