فقيل لي: (ان النوع الاول من القصور الخاليةِ من أهلها والمبهرجِ خارجُها والمزينةِ سطوحُها وافنيتُها ما هي الاّ مأوى ائمة الكفر والضلالة. أما النوع الثاني من القصور فهي مساكن أكابر المؤمنين من ذوي الغيرة والشهامة والنخوة). ثم رأيت أن قصراً في زاوية من زوايا المدينة مكتوبٌ عليه اسم (سعيد) فتعجبت، وعندما أمعنت النظر أبصرت كأن صورتي قد تراءت لي، فصرختُ من دهشتي واسترجعت عقلي وافقتُ من خيالي.
واريد أن أفسر بتوفيق الله هذه الواقعة الخيالية:
فتلك المدينة هي الحياة الاجتماعية البشرية ومدنية الحضارة الانسانية، وكل قصر من تلك القصور عبارة عن انسان، أما أهلُ القصر فهم جوارحُ الانسان كالعين والاذن، ولطائفُه كالقلب والسر والروح، ونوازعُه كالهوى والقوة الشهوانية والغضبية. وكلُّ لطيفةٍ من تلك اللطائف معدّةٌ لأداءِ وظيفةِ عبوديةٍ معينة ولها لذائذُها وآلامُها، أما النفس والهوى والقوة الشهوانية والغضبية فهي بحكم البوّاب وبمثابة الكلب الحارس. فإخضاع تلك اللطائف السامية اذن لأوامر النفس والهوى وطمس وظائفها الاصلية لا شك يعتبر سقوطاً وانحطاطاً وليس ترقياً وصعوداً.. وقس أنت سائر الجهات عليها.
النكتة الثالثة
ان الانسان من جهة الفعل والعمل وعلى اساس السعي المادي حيوانٌ ضعيفٌ ومخلوق عاجز، دائرة تصرفاته وتملكه في هذه الجهة محدودةٌ وضيقةٌ، فهي على مدّ يده القصيرة، حتى ان الحيوانات الأليفة التي أعطي زمامُها بيد الانسان قد تسرّبتْ اليها من ضعف الانسان وعجزِه وكَسَله حصة كبيرة. فاذا ما قيس مثلاً الغنم والبقر الأهلي بالغنم والبقر الوحشي لظَهر فرقٌ هائلٌ وبونٌ شاسعٌ.
الاّ ان الانسان من جهة الانفعال والقبول والدعاء والسؤال ضيفٌ عزيزٌ كريمٌ في دار ضيافة الدنيا، قد استضافه المولى الكريمُ ضيافةً كريمةً حتى فتح له خزائن رحمته الواسعة وسخرّ له خَدَمه