الكلمات | الكلمة الرابعة والعشرون | 477
(436-486)

الثمرة الاولى:
يا نفسي المحبة لنفسها، ويا رفيقي العاشق للدنيا!
اعلمي! ان المحبة سبب وجود هذه الكائنات، والرابطة لأجزائها، وانها نور الأكوان، وحياتها.
ولما كان الانسان أجمع ثمرة من ثمرات هذا الكون، فقد اُدرجت في قلبه - الذي هو نواة تلك الثمرة - محبة قادرة على الاستحواذ على الكائنات كلها.
لذا لا يليق بمثل هذه المحبة غير المتناهية الاّ صاحب كمالٍ غير متناهٍ.
فيا نفسي! ويا صاحبي!
لقد أودع الله سبحانه جهازين في فطرة الانسان، ليكونا وسيلتين للخوف وللمحبة، وتلك المحبة والخوف إما سيتوجهان الى الخلق أو الى الخالق. علماً ان الخوف من الخلق بلية أليمة، والمحبة المتوجهة نحوه أيضاً مصيبة منغّصة؛ اذ إنك ايها الانسان تخاف من لا يرحمك، أو لا يسمع استرحامك. فالخوف اذاً في هذه الحالة بلاء أليم.
اما المحبة؛ فان ما تحبه، إما انه لا يعرفك، فيرحل عنك دون توديع - كشبابكَ ومالكَ - أو يحقّرك لمحبتك! ألا ترى ان تسعة وتسعين في المائة من العشاق المجازيين يشكون عن معشوقيهم، ذلك لأن عشق محبوبات دنيوية شبيهة بالاصنام لحد العبادة بباطن القلب الذي هو مرآة الصمد ثقيل في نظر اولئك المحبوبين، إذ الفطرة تردّ كل ما هو ليس فطري وأهلٌ له. (والحب الشهواني خارج عن بحثنا).
بمعنى: ان ما تحبه من أشياء إما انها لا تعرفك أو يحقّرك أو لا يرافقك، بل يفارقك وانفك راغم.
فما دام الأمر هكذا؛ فاصرف هذه المحبة والخوف الى مَن يجعل خوفك تذللاً لذيذاً، ومحبتك سعادة بلا ذلة.
نعم! ان الخوف من الخالق الجليل يعني وجدان سبيل الى رأفته ورحمته تعالى للالتجاء اليه. فالخوف بهذا الاعتبار هو سوط تشويقٍ

لايوجد صوت