وقسم آخر من هذه البلابل نهاري، يعلنون في وضح النهار رحمة الرحمن الرحيم على منابر الاشجار وعلى رؤوس الاشهاد، ويتغنون بها، ولا سيما في موسم الصيف والربيع، وينثرون بتغريداتهم الرقيقة وشَدوِهم اللطيف وتسبيحاتهم المسجّعة الوجدَ والشوق، لدى كل سامع لهم، حتى يشرع السامع بذكر فاطره الجليل بلسانه الخاص، وبنغماته الخاصة.
بمعنى ان لكل نوع من أنواع الموجودات بلبله الخاص به، فهو رئيس حلقة ذكر خاص بهم. بل حتى لنجوم السماء بلبلها الخاص بها، يشدو بأنواره ويترنم باضوائه.
ولكن.. أفضل هذه البلابل طراً وأشرفها وأنورها وابهرها واعظمها وأكرمها، واعلاها صوتاً واجلاها نعتاً واتمّها ذكراً واعمّها شكراً وأكملها ماهية واحسنها صورة، هو الذي يثير الوجدَ والجذب والشوق في الأرض والسماوات العلى، في بستان هذا الكون العظيم، بسجعاته اللطيفة وتضرعاته اللذيذة، وتسبيحاته العلوية.. وهو العندليب العظيم لنوع البشر، في بستان الكائنات، بلبل القرآن لبني آدم، محمد الأمين، عليه وعلى أله وامثاله، أفضل الصلوات واجمل التسليمات.
خلاصة ما سبق: ان الحيوانات الخادمة في قصر الكون تمتثل الأوامر التكوينية امتثالاً تاماً، وتظهر ما في فطرتها من غايات بأجمل صورتها باسم الله. فتسبيحاتها؛ هي قيامها بوظائف حياتها بأبدع طراز بقوة الله سبحانه، وببذل الجهد في العمل. وعباداتها؛ هي هداياها وتحياتها التي تقدمها الى الفاطر الجليل واهب الحياة.
القسم الثالث من العمال: هم النباتات والجمادات.. هؤلاء العمال لا مرتّب لهم ولا مكافأة، لأن لا اختيار لهم، فاعمالهم خالصة لوجه الله. وحاصلة بمحض ارادته سبحانه وباسمه وفي سبيله، وبحوله وقوته. الاّ انه يُستشعر من أحوال النباتات ان لها نوعاً من التـلذذ في ادائها وظــائف التــلــقــيح والــتــوليـد وانمــاء الثــمار. الاّ انها لا تتألم قط، بخلاف الحيوانات التي لها آلام ممزوجة باللذائذ، حيث ان