محبة ذاتية متوجهة الى ذات الله الجليلة سبحانه، الاّ انكِ أسأت استعمال تلك المحبة فوجهتيها الى ذاتك، فمزّقي يا نفسي اذن ما فيك من (أنا) واظهري (هو). فان جميع أ نواع محبتك المتفرقة على الكائنات انما هي محبة ممنوحة لك تجاه اسمائه الحسنى وصفاته الجليلة، بيد أنكِ أسأت استعمالها فستنالين جزاء ما قدمت يداك. لأن جزاء محبةٍ غير مشروعة وفي غير محلها، مصيبة لا رحمة فيها.
وان محبوباً أزلياً اعدّ - باسمه الرحمن الرحيم - مسكناً جامعاً لجميع رغباتك المادية، وهو الجنّة المزينة بالحور العين، وهيأ بسائر اسمائه الحسنى آلاءه العميمة لإشباع رغبات روحك وقلبك وسرّك وعقلك وبقية لطائفك. بل له سبحانه في كل اسم من أسمائه الحسنى خزائن معنوية لا تنفد من الاحسان والاكرام. فلاشك ان ذرة من محبة ذلك المحبوب الأزلي تكفي بديلاً عن الكائنات كلها ولا يمكن ان تكون الكائنات برمتها بديلاً عن تجلٍ جزئي من تجليات محبته سبحانه.
فاستمعي يا نفسي واتبعي هذا العهد الأزلي الذي انطقه ذلك المحبوب الأزلي، حبيبه الكريم بقوله تعالى:
﴿قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾(آل عمران: 31).
الثمرة الثانية:
يا نفس: ان وظائف العبودية وتكاليفها ليست مقدمة لثواب لاحق، بل هي نتيجة لنعمة سابقة.
نعم؛ نحن قد أخذنا أجرتنا من قبل، وأصبحنا بحسب تلك الاجرة المقدمة لنا مكلفين بالخدمة والعبودية؛ ذلك:
لان الخالق ذا الجلال والاكرام الذي ألبسك – ايتها النفس – الوجود وهو الخير المحض قد أعطاك باسمه (الرزاق) معدة تتذوّقين وتتلذذين بجميع ما فرشه أمامك على مائدة النعمة من مأكولات. ثم انه وهب لك حياة حساسة، فهي كالمعدة تطلب رزقا لها، فوضع امام حواسك من عين وأذن وهي كالأيدي مائدة نعمة واسعة سعة سطح الارض. ثم وهب لك انسانية تطلب بدورها أرزاقاً معنوية كثيرة،