الكلمات | الكلمة السادسة والعشرون | 632
(628-646)

ان كان ذا ايمان كامل، مطمئن القلب، فانه يفوّض امر الكائنات كلها، ونفسه كذلك، الى الله سبحانه وتعالى، ويعتقد بان الامور تجري تحت تصرفه سبحانه وتدبيره. فهذا الشخص يحق له الكلام في القدر والجزء الاختياري لأنه يعرف أن نفسه وكل شئ، منه سبحانه وتعالى. فيتحمل المسؤولية، مستنداً الى الجزء الاختياري الذي يعتبره مرجعاً للسيئات، فيقدّس ربه وينزّهه، ويظل في دائرة العبودية ويرضخ للتكليف الإلهي ويأخذه على عاتقه. وينظر الى القدر في الحسنات والفضائل الصادرة عنه، لئلا يأخذه الغرور، فيشكر ربه بدل الفخر، ويرى القدر في المصائب التي تنزل به فيصبر.
ولكن ان كان الذي يتحدث في القدر الإلهي والجزء الاختياري من أهل الغفلة، فلا يحق له الخوض فيهما، لأن نفسه الامارة بالسوء - بدافع من الغفلة أو الضلالة - تحيل الكائنات الى الاسباب، فتجعل ما لله اليها، وترى نفسها مالكة لنفسها، وترجع افعالها الى نفسها ويسنـدها الى الاسباب، بينما تحمّل القدر المسؤولية والتقصيرات. وحينئذٍ يكون الخوض في القدر والجزء الاختياري باطلاً لا اساس له - بهذا المفهوم - ولا يعنى سوى دسيسة نفسية تحاول التملص من المسؤولية، مما ينافي حكمة القدر وسر الجزء الاختياري.

المبحث الثاني
هذا المبحث بحث علمي دقيق خاص للعلماء(1).
 اذا قلت: كيف يمكن التوفيق بين القدر والجزء الاختياري؟
الجواب: بسبعة وجوه:
الاول: ان العادل الحكيم الذي تشهد لحكمته وعدالته الكائنات كلها، بلسان الانتظام والميزان، قد اعطى للانسان جزءاً اختيارياً مجهول الماهية، ليكون مدار ثواب وعقاب. فكما ان للحكيم العادل

(1) هذا المبحث الثاني هو اعمق واعضل مسألة في القدر، وهو مسألة عقائدية كلامية ذات اهمية جليلة لدى العلماء المحققين، وقد حلتها رسائل النور حلاً تاماً. - المؤلف.

لايوجد صوت