الكلمة الثانية والثلاثين:
ان للدنيا ثلاثة وجوه: فابداء المحبة الى وجهي الدنيا المتطلعين الى الاسماء الحسنى والآخرة ليس نقصاً في العبودية، بل هو مناط كمال الانسان وسمو ايمانه، اذ كلما جهد الانسان في محبته لذينك الوجهين كسب مزيداً من العبادة ومزيداً من معرفة الله سبحانه. ومن هنا كانت دنيا الصحابة الكرام متوجهة الى ذينك الوجهين، فعدوها مزرعة الآخرة وزرعوا الحسنات وجنوا الثمرات اليانعة من الثواب الجزيل والاجر العظيم، واعتبروا الدنيا وما فيها كأنها مرايا تعكس انوار تجليات الاسماء الحسنى، فتأملوا فيها وفكروا في جنباتها بلهفة وشوق، فتقربوا الى الله اكثر، وفي الوقت نفسه تركوا الوجه الثالث من الدنيا وهو وجهها الفاني المتطلع الى شهوات الانسان وهواه.
السؤال الثالث: ان الطرق الصوفية هي سبل الوصول الى الحقائق، واشهرها واسماها هي الطريقة النقشبندية التي تعدّ الجادة الكبرى، وقد لـخّص قواعدها بعض اقطابها هكذا: (در طريق نقشبندي لازم آمد ضار ترك: ترك دنيا ترك عقبى ترك هستي ترك ترك) اي: يلزم في الطريقة النقشبندية ترك اربعة اشياء: ترك الدنيا بأن لا تجعلها مقصوداً بالذات. وترك الآخرة بحساب النفس. وترك النفس، أي أن تنساها، ثم الترك. اي: ان لا تتفكر بهذا الترك، لئلا تقع في العجب والفخر. بمعنى ان معرفة الله والكمالات الانسانية الحقيقيتين انما تحصل في ترك ما سواه تعالى..
الجواب: لو كان الانسان مجرد قلب فقط، لكان عليه ان يترك كل ما سواه تعالى، بل يترك حتى الاسماء والصفات ويرتبط قلبه بذاته سبحانه. ولكن للانسان لطائف كثيرة جداً كالقلب، منها العقل والروح والسر، كل لطيفة منها مكلفة بوظيفة ومأمورة للقيام بعمل خاص بها.
فالانسان الكامل هو - كالصحابة الكرام - يسوق جميع تلك اللطائف الى مقصوده الاساس وهو عبادة الله. فيسوق القلب كالقائد كل لطيفة منها ويوجهها نحو الحقيقة بطريق عبودية خاص بها. عند