كانت هذه التزيينات غير النهائية في الكون تتطلب تأملاً وعبودية غير محدودة، وان الأنس والجن لا يمكنهما القيام الاّ بقسط ضئيل جداً - واحد من مليون - من هـذه الوظيـفـة غير النهـائيـة، ومن هذه الرؤية الحكيمة، ومن هذه العبودية الواسـعة.. فلابد أن تكون لهذه الوظائف غير النهائية والعبادات المتنوعة، انواع غير نهائية ايضاً من (الملائكة) وأجناس غير محدودة من (الروحانيات)، كي يعمّروا بصفوفهم المتراصّة ويملأوا هذا المسجد الكبير.. هذا العالم.. هذا الكون..
أجل! ففي كل جهة من هذا الكون، وفي كل دائرة من دوائره، هناك (موظفون) من طبقة (الملائكة والروحانيات) قد أسند اليهم واجب القيام بعبودية مخصوصة.. فاستناداً الى اشارات بعض الأحاديث النبوية الشريفة من جهة، واستلهاماً من حكمة انتظام هذا العالم من جهة أخرى يمكن القول: ان بعضاً من الأجسام الجامدة السيّارة، ابتداءاً من النجوم وانتهاءً بقطرات المطر، انما هي سفن ومراكب لقسم من الملائكة، فهم يركبونها بإذن إلهي، ويشاهدون عالم الشهادة سائحين فيه.. ويمثلون (تسبيحات) تلك المراكب.. وحيث أن الشهداء (ارواحهم في جوف طير خضر تسرح من الجنّة) - كما جاء في حديث نبوي شريف - لذا يمكن القول: انه ابتداءً مما أشار الحديث الشريف من (طير خضر) الى النحل من الأجسام الحية هي طائرات لأجناس من الأرواح، فهي تحل في أجساد تلك الأحياء، بأمر الله الحق، وتشاهد العالم المادي من خلال حواسها كالأعين والآذان، وتتفرج على روائع المعجزات الفطرية فيه، وبذلك تؤدي تسبيحاتها المخصوصة..
وهكذا، فكما اقتضت الحقيقة وجود الملائكة والروحانيات، كذلك تقتضيه الحكمة:
لأن الفاطر الحكيم الذي يخلق باستمرار وبفعالية جادة حياةً لطيفة ذات أدراك متنّور، من هذا التراب الكثيف على ضآلة علاقته بالروح، ومن الماء العكر على جزئية تعلّقه بنور الحياة، لابدّ أن