الكلمات | الكلمة التاسعة والعشرون | 692
(688-734)

الحياة نوع من تجلّي الوحدة في طبقات الكثرة من المخلوقات، فهي مرآة للأحدية في الكثرة..
والآن لنوضح:
انظر الى الجسم الجامد، وان كان جبلاً شاهقاً، فهو غريب.. يتيم.. وحيد.. اذ تنحصر علاقته وصلته بمكانه، وما يتصل به من أشياء فقط، وما يوجد في الكائنات الأخرى معدوم بالنسبة اليه، وذلك لأنه ليس له (حياة) حتى يتصل بها، ولا (شعور) حتى يتعلق به.
ثم انظر الى جسم صغير حيّ كالنحل مثلاً ففي الوقت الذي تدخل فيه (الحياة) فانه يقيم عقداً تجارياً وصلةً مع جميع الكائنات والموجودات، وخاصة مع نباتات الأرض وأزهارها بحيث يمكنه القول: (ان جميع الأرض هي حديقتي ومتجري...) فهناك اذن، عدا الحواس المعروفة الظاهرة والباطنة في الأحياء، دوافع فطرية أخرى غير معروفة كأحاسيس سائقة ومشوّقة تعطي للنحل فرصة التصرف وإمكانية الأختصاص والأنس والتبادل مع اكثر انواع الموجودات في الدنيا.
ولئن كانت الحياة تُظهر تأثيرها هكذا في كائن حيّ صغير، فلابّد أنها كلّما عَلَتْ وارتقتْ الى مرتبة عليا وهي المرتبة الأنسانية، فان تأثيرها يتسع ويكبر ويتنوّر، بحيث يجول هذا الانسان بعقله وشعوره - الذي هو ضياء الحياة - في العوالم العلوية والروحية والمادية كما يجول في غرف داره، وهذا يعني: انه مثلما يسافر ذلك الكائن الحيّ ذو الشعور الى تلك العوالم معنوياً، فان تلك العوالم تأتي وتكون ضيوفاً على مرآة روحه بارتسامها وتمثلها فيها.
والحياة بحد ذاتها أسطع برهان لوحدانية الله سبحانه وتعالى. وأوسع مجال لنعمته العظيمة، وألطف تجلٍّ من تجليات رحمته، وأدقّ نقش من نقوش صنعته الخفية النزيهة.
نعم، أنها خفية ودقيقة؛ لأن تنبّه (العقدة الحياتية) أي تفتحها ونموها في البذرة - التي هي اولى مراتب الحياة في النبات الذي يمثل أدنى أنواع الحياة - بقي مستوراً عن أنظار علم البشر منذ زمن آدم

لايوجد صوت