الأولى أن يخلق جلّت قدرته وحكمته احياءً وذوي شعور من تلك المواد السيّالة اللطيفة من مادة النور وحتى من الظلام وحتى من مادة الأثير وحتى من المعاني وحتى من الهواء وحتى من الكلمات. فيخلق كثرة كاثرة من المخلوقات ذوات الارواح المختلفة -كالاجناس الكثيرة المختلفة للحيوانات - فيصير قسم منها الملائكة وقسم آخر أجناس الجنّ وعالم الروح.
وفي المثال الآتي يتبيّن لك: كم تكون فكرة وجود الملائكة والروحانيات بكثرة - كما بيّنه القرآن الكريم - حقيقة وبداهة وأمراً معقولاً، وكم يكون الرفض وعدم القبول خلافاً للحقيقة والحكمة، بل خرافة وضلالة وهذياناً وبلاهة..
يتصادق اثنان أحدهما بدوي وآخر حضري، كانا يسيران معاً الى مدينة عظيمة - كأستانبول - وقبل دخولهما المدينة وفي زاوية من زواياها يصادفان مبنىً صغيراً وورشة قذرة، فيبصران المبنى مملوءً برجال مساكين يعملون منهوكين في هذا المعمل الغريب، ويلاحظان حول المعمل حيوانات وأحياء أخرى أيضاً تقتــات كل بطريقتها الخاصة حسب شرائط حياتها. فمنها ما يأكل النبات وأخرى تأكل الأسماك فقط، وهكذا.. وفيما هما يراقبان أحوال هؤلاء إذا بهما يريان على بُعد منهما آلافاً من العمارات المزينة والقصور العالية تفصل بينها ميادين وفسح واسعة، الاّ أن سكان تلك العمارات الرائعة لا يظهرون لهما، إما لبعدهما عنهم، أو لضعف نظرهما، أو لأختفاء سكنة تلك القصور أنفسهم، ولا توجد شرائط الحياة التي في هذه الورشة القذرة في تلك القصور العالية.
فالبدوي الذي لم ير المدينة في حياته قال: ان تلك العمارات خالية من أهلها ولا أحد فيها من الأحياء. اذ انني لا أراهم، وليس هناك ما يشير الى الحياة - كحياتنا - أصلاً. فأظهرَ بهذيانه هذا حماقته الشديدة.
أجابه صديقه العاقل الرزين: