يا هذا! أما ترى ان هذا المسكن البسيط الحقير ملئٌ بالأحياء وليس هناك شبرٌ من فراغ حولنا لم يملأ بالأحياء والعاملين، فهناك من يبدلهم ويجددهم دائماً ويستخدمهم أبداً.
فانظر الآن هل من الممكن ان تكون تلك العمارات الرائعة المنتظمة والتزيينات الحكيمة، والقصور الباذخة على بُعدها عنّا خالية من أهلها المتلائمين معها؟. إنها لابدّ قد ملئت جميعاً بذوي أرواح، لهم شرائط حياة أخرى خاصة بهم، فلربما يأكلون بدلاً من الأعشاب والاسماك شيئاً آخر، فان عدم رؤيتهم - لبُعدهم أو لقُصر النظر أو اختفائهم - لا يقيم دليلاً أبداً على عدم وجودهم، اذ أن عدم الرؤية لا يدل مطلقاً على عدم الوجود، وليس عدم الظهور بحجة قطعاً على عدم الوجود. وقياساً على هذا المثال البسيط الواضح:
ان الكرة الارضية وهي واحدة من الأجرام السماوية، على كثافتها وضآلة حجمها، قد اصبحت موطناً لما لا يحد من الاحياء وذوي المشاعر، حتى لقد اصبحت أقذر وأخسّ الأماكن فيها منابع ومواطن لكثير من الأحياء، ومحشراً ومعرضاً للكائنات الدقيقة. فالضرورة والبداهة والحدس الصادق واليقين القاطع جميعاً تدل وتشهد بل تعلن أنّ:
هذا الفضاء الواسع والسموات ذات البروج والأنجم والكواكب كلها مليئة بالأحياء وبذوي الادراك والشعور. ويطلق القرآن الكريم والشريعة الغرّاء على اولئك الأحياء الشاعرين والذين خُلقوا من النور والنار ومن الضوء والظلام والهواء ومن الصوت والرائحة ومن الكلمات والأثير وحتى من الكهرباء وسائر السيالات اللطيفة الاخرى بأنهم: ملائكة.. وجان.. وروحانيات.. ولكن كما ان الاجسام أجناس مختلفة كذلك الملائكة؛ اذ ليس المَلَك الموكّل على قطرة المطر من جنس المَلَك الموكّل على الشمس. وكذلك الجن والروحانيات مختلف الأجناس الكثيرة.
خاتمة هذه النكتة الأساس