هذه معمورة بكل هذه الأحياء وذوي الأرواح، فكيف يمكن اذن ان يخلو هذا الفضاء الواسع من ساكنيه، وتلك السموات البديعة اللطيفة من عامريها؟!.
ولا يخطرنّ ببالك ان النواميس والقوانين الجارية في العالم كافية أن تجعل الكائنات ذات حياة.. لأن تلك النواميس الجارية والقوانين الحاكمة أوامر اعتبارية، ودساتير وهمية، لا يعتدّ بها، ولا تعدّ شيئاً أصلاً.
فان لم يكن هناك عباد الله المسمّون بـ(الملائكة) يأخذون بزمام هذه القوانين ويظهرونها ويمثلونها، فلا يتعين لتلك القوانين والنواميس أي وجود كان، ولا تعرف لها هوية، فهي ليست حقيقة خارجية قط، والحال أن الحياة حقيقة خارجية، والأمر الوهمي لا يمكن ان تحمل عليه حقيقة خارجية.
نخلص من هذا أنه: مادام أهل الحكمة وأهل الدين واصحاب العقل والنقل متفقون ضمنياً على أن الموجودات لا تنحصر في عالم الشهادة هذا، وان عالم الشهادة الظاهر الجامد الذي لا يكاد يتفق مع اقامة الأرواح وتشكلها قد تزين بهذا العدد الهائل من ذوي الارواح والأنسام؛ لذا فالوجود لا يمكن ان يكون منحصراً فيه. بل هناك طبقات أخرى كثيرة من الوجود، بحيث يصبح عالم الشهادة بالنسبة لها ستاراً مزركشاً. وما دام عالم الغيب وعالم المعنى ملائمين للارواح - كملائمة البحار للأسماك - فلابدّ أنهما يزخران بارواح ملائمة لهما.
ولما كانت جميع الأمور قد شهدت على وجود معنى الملائكة، لذلك فلا ريب أن أحسن صورة لوجود الملائكة والحقائق الروحانية، وأفضل حال وكيفية لها، بحيث تستسيغها العقول السليمة وتستحسنها، هو بلا شك ما شرحه القرآن الكريم وبيّنه بوضوح.
فالقرآن الكريم يذكر الملائكة بأنهم ﴿...عبادٌ مُكْرَمون﴾( الأنبياء:26)