إيضاح هذه النكتة الرمزية:
ان الحكيم الأزلي بمقتضى حكمته الأزلية وعنايته السرمدية، خلق هذا العالم ليكون محلاً للاختبار وميداناً للامتحان، ومرآة لأسمائه الحسنى وصحيفة لقلم قدرته وقَدَره.
فالابتلاء والامتحان سبب النشوء والنماء، والنشوء والنماء سبب لانكشاف الاستعدادات الفطرية، وتكشف الاستعدادات سبب لظهور القابليات،وظهور القابليات سبب لظهور الحقائق النسبيّة، وهذه الحقائق النسبية سبب لأظهار تجلّيات نقوش الاسماء الحسنى للخالق الجليل وتحويل الكائنات الى صورة كتابات صمدانيّة ربّانية.
وهكذا فان سرٌ التكليف هذا وحكمة الامتحان يؤدي الى تصفية جواهر الأرواح العالية التي هي كالماس، من مواد الأرواح السافلة التي هي كالفحم، وتمييزها بعضها عن بعض.
فبمثل هذه الاسرار السابقة، ومما لا نعلم من الحِكَم الدقيقة الرائعة، أوجد الحكيم القدير العالَم بصورته هذه، وأراد تغيّره وتحوله لتلك الحِكَم والأسباب، ولأجل التحول والتغيّر مزج الأضداد بحكمةٍ بعضها مع البعض الآخر، وجعلها تتقابل ببعضها، فالمضار ممزوجة بالمنافع والشرور متداخلة بالخيرات والقبائح مجتمعة مع المحاسن.. وهكذا عَجَنَتْ يدُ القدرة الأضدادَ، وصيّرت الكائنات تابعة لقانون التبدل والتغيّر ودستور التحوّل والتكامل.
ثم، لـمّا انقضى مجلس الامتحان، وانتهى وقت الاختبار، وأظهرت الأسماء الحسنى حكمها، وأتمّ قلم القَدَر كتابته، واكملت القدرة نقوش ابداعها، ووفّت الموجودات وظائفها، وأنهت المخلوقات مهامها، وعبّر كل شئ عن معناه ومغزاه، وأنبتت الدنيا غراس الآخرة، وكشفت الأرض جميع معجزات القدرة وخوارق الصنعة للخالق القدير، وثبّت هذا العالم الفاني لوحات المناظر الخالدة على شريط الزمان.. عندئذٍ تقتضي الحكمة السرمدية والعناية الأزلية لذي الجلال والاكرام أن تَظهَر حقائق نتائج ذلك الامتحان ونتائج ذلك