شامل محيط، وخريطة كاملة، ومرآة جامعة، وتقويم جامع. فمن شاء فليراجع تلك الرسالة.
الى هنا نختم المقدمة، مكتفين بما في تلك الرسالة من تفصيل.
فيا اخي القارئ، اذا استوعبت هذه المقدمة، فهيا لندخل معاً الى الحقيقة نفسها.
ان في تاريخ البشرية ـ منذ زمن سيدنا آدم عليه السلام الى الوقت الحاضرـ تيارين عظيمين وسلسلتين للافكار، يجريان عبر الازمنة والعصور، كأنهما شجرتان ضخمتان أرسلتا اغصانَهما وفروعَهما في كل صوب، وفي كل طبقة من طبقات الانسانية.
احداهما: سلسلة النبوة والدين
والاخرى: سلسلة الفلسفة والحكمة
فمتى كانت هاتان السلسلتان متحدتين وممتزجتين، أي في أي وقت أو عصر إستجارت الفلسفة بالدين وانقادت اليه واصبحت في طاعته، انتعشت الانسانية بالسعادة وعاشت حياة اجتماعية هنيئة. ومتى ما انفرجت الشقة بينهما وافترقتا، احتشد النور والخير كله حول سلسلة النبوة والدين، وتجمعت الشرور والضلالات كلها حول سلسلة الفلسفة.
والآن لنجد منشأ كلٍ من تلكما السلسلتين وأساسهما:
فان سلسلة الفلسفة التي عصت الدين، اتخذت صورة شجرة زقوم خبيثة تنشر ظلمات الشرك وتنثر الضلالة حولها. حتى انها سلّمت الى يد عقول البشر، في غصن القوة العقلية، ثمرات الدهريين والماديين والطبيعيين .. وألقت على رأس البشرية، في غصن القوة الغضبية ، ثمرات النماريد والفراعنة والشدادين(1).. وربّت، في غصن القوة
(1) نعم ! ان الفلسفة القديمة لمصر وبابل، التي بلغت مبلغ السحر، أو تُوهّمت سحراً ـ لاقتصارها على فئة معينة ـ هي التي ارضعت الفراعنة والنماريد وربّتهم في احضانها، كما ان حمأة الفلسفة الطبيعية ومستنقعها مكّنت الآلهة في عقول فلاسفة اليونان القدماء، وولدت الاصنام والاوثان. حقاً ان المحجوب عن نور الله بستار (الطبيعة) يمنح كلَّ شيء ألوهيةً، ثم يسلطه على نفسه. ـ المؤلف.