الكلمات | الكلمة الثلاثون | 740
(735-771)

ان لم تُعرف ماهيته ينمو في الخفاء ـ كنمو البذرة تحت التراب ـ ويكبر شيئاً فشيئاً، حتى ينتشر في جميع انحاء وجود الانسان، فيبتلعه ابتلاع الثعبان الضخم، فيكون ذلك الانسان بكامله وبجميع لطائفه ومشاعره عبارة عن (أنا). ثم تمده (أنانية) النوع نافخة فيه روح العصبية النوعية والقومية، فيستغلظ بالاستناد على هذه (الانانية) حتى يصيرَ كالشيطان الرجيم يتحدى أوامرالله ويعارضها. ثم يبدأ بقياس كل الناس، بل كل الاشياء على نفسه ووفق هواه، فيقسم مُلك الله سبحانه على تلك الاشياء، وعلى الاسباب فيتردى في شرك عظيم ، يتبيّن فيه معنى الآية الكريمة ﴿إن الشرك لظلم عظيم﴾(لقمان:13). اذ كما ان الذي يسرق اربعين ديناراً من اموال الدولة لابد ان يرضي اصدقاءه الحاضرين معه بأخذ كل منهم درهماً منه كي تسوَّغ له السرقة، كذلك الذي يقول: انني مالك لنفسي، لابد من أن يقول ويعتقد: ان كل شئ مالك لنفسه!
وهكذا، فـ(أنا) في وضعه هذا، المتلبس بالخيانة للامانة، انما هو في جهل مطبق بل هو أجهل الجهلاء، يتخبط في درك جهالة مركبة حتى لو علِمَ آلاف العلوم والفنون، ذلك لأن ما تتلقفه حواسُه وافكارُه من انوار المعرفة المبثوثة في رحاب الكون لايجد في نفسه مادةً تصدّقه وتنوّره وتديمه، لذا تنطفئ كل تلك المعارف، وتغدو ظلاماً دامساً؛ اذ ينصبغ كل ما يرِد اليه بصبغة نفسه المظلمة القاتمة، حتى لو وردت حكمةٌ محضة باهرة فانها تلبس في نفسه لبوس العبث المطلق؛ لأن لون (انا) في هذه الحالة هو الشرك وتعطيل الخالق من صفاته الجليلة وانكار وجوده تعالى. بل لو امتلأ الكون كله بآيات ساطعات ومصابيح هدىً فان النقطة المظلمة الموجودة في (انا) تكسف جميع تلك الانوار القادمة، وتحجبها عن الظهور.
ولقد فصّلنا القول في (الكلمة الحادية عشرة) عن الماهية الانسانية و (الانانية) التي فيها من حيث المعنى الحرفي. واثبتنا هناك اثباتاً قاطعاً كيف انها ميزان حساس للكون، ومقياس صائب دقيق، وفهرس

لايوجد صوت