الكلمات | الكلمة الثلاثون | 743
(735-771)

ميزاناً لمعرفة صفات خالقه، ومقياساً للتعرف على شؤونه سبحانه.
هكذا نظر الانبياء والمرسلون عليهم السلام، ومَن تبعهم من الاصفياء والاولياء، الى (انا) بهذا الوجه. وشاهدوه على حقيقته هكذا. فادركوا الحقيقة الصائبة، وفوّضوا المُلك كله الى مالك الملك ذي الجلال، واقرّوا جميعاًً، ان ذلك المالك جل وعلا لا شريك له ولا نظير، لا في ملكه ولا في ربوبيته ولافي الوهيته، وهو المتعال الذي لايحتاج الى شئ، فلا معين له ولا وزير، بيده مقاليد كل شئ وهو على كل شئ قدير. وما (الاسباب) إلاّ أستار وحُجب ظاهرية تدل على قدرته وعظمته.. وما (الطبيعة) إلاّ شريعته الفطرية، ومجموعة قوانينه الجارية في الكون، اظهاراً لقدرته وعظمته جل جلاله.
فهذا الوجه الوضئ المنور الجميل، قد أخذ حكم بذرة حية ذات مغزىً وحكمة. خلق الله جل وعلا منها شجرة طوبى العبودية، امتدت اغصانُها المباركة الى انحاء عالم البشرية كافة وزيّنته بثمراتٍ طيبةٍ ساطعة، بدّدت ظلمات الماضي كلها، واثبتت بحق ان ذلك الزمن الغابر المديد ليس كما تراه الفلسفة مقبرةً شاسعة موحشة، وميدان إعدامات مخيفة، بل هو روضة من رياض النور، للارواح التي ألقت عبئها الثقيل لتغادر الدنيا طليقة، وهو مدار أنوار ومعراج منّور متفاوتة الدرجات لتلك الارواح الآفلة لتتنقل الى الآخرة والى المستقبل الزاهر والسعادة الابدية.
أما الوجه الثاني: فقد اتخذته الفلسفة، وقد نظرت الى (انا) بالمعنى الاسمي. أي تقول: ان (انا) يدل على نفسه بنفسه..
وتقضي ان معناه في ذاته، ويعمل لأجل نفسه..
وتتلقى ان وجوده أصيل ذاتي ـ وليس ظلاً ـ أي له ذاتية خاصة به..
وتزعم ان له حقاً في الحياة، وانه مالك حقيقي في دائرة تصرفه، وتظن زعمها حقيقة ثابتة..
وتفهم ان وظيفته هي الرقي والتكامل الذاتي الناشئ من حب ذاته.
وهكذا أسندوا مسلكهم الى اسس فاسدة كثيرة وبنوها على تلك

لايوجد صوت