الكلمات | الكلمة الحادية والثلاثون | 811
(772-812)

وهكذا فإحدى ثمرات المعراج هي نور الايمان، فلو خلت الدنيا من هذه الثمرة، اي اذا ما نُظر الى الكائنات بنظر الضلالة، فلا ترى الموجودات الاّ غريبة، متوحشة، مزعجة، مضرة، والاجسام الضخمة - كالجبال - جنائز تثير الدهشة والخوف. والاجل جلاد يضرب اعناق الموجودات ويرميها الى بئر العدم. وجميع الاصوات والاصداء ما هي الاّ صراخ ونعي ناشئان من الفراق والزوال..
فبينما تصوِّر لك الضلالة الموجودات هكذا، اذا بثمرة المعراج التي هي حقائق الايمان تنور الموجودات كلها وتبينها انها احباء متآخية، في تسبيح وذكر لربها الجليل، والموت والزوال تسريح من الوظيفة وراحة منها. وتلك الأصوات تسبيحات وتحميدات.. وهكذا، فان شئت ان ترى هذه الحقيقة بأوضح صورتها فراجع (الكلمة الثانية) من (الكلمات الصغيرة).
المثال الثاني:
هب اننا معك في صحراء كبرى. تحيط بنا عواصف رملية من كل جانب، وظلمة الليل تحجب عنا كل شئ حتى لا نكاد نرى ايدينا. والجوع يفتك بنا والعطش يلهب افئدتنا، ولا معين لنا ولا ملجأ.. تصوّر هذه الحالة التي نضطرب فيها. واذا بشخص كريم يمزّق حجاب الظلام ثم يأتي الينا، وفي معيته مركبة فارهة هدية لنا، فيقلّنا بها الى مكان أشبه ما يكون بالجنة. كل شئ فيه على ما يرام، كل شئ مهئ ومضمون لنا.. يتولانا مَن هو في منتهى الرحمة والشفقة والرأفة، وقد أعدّ لنا كل ما نحتاجه من وسائل الاكل والشرب..
أظنك تقدّر الآن كم نكون شاكرين لفضل ذلك الشخص الكريم الذي اخذنا من موضع اليأس والقنوط الى مكان كله امل وسرور.
فتلك الصحراء الكبرى هي هذه الدنيا. وتلك العواصف الرملية هي حركات الذرات وسيول الزمان التي تضطرب بها الموجودات وهذا الانسان المسكين.. كل انسان قلق ومضطرب يتوجس خيفة مما يخفيه له مقبل ايامه المظلمة المخيفة.. هكذا تريه الضلالة فلا يعرف

لايوجد صوت