ضربات الزوال والفراق، لو قيل له: انك ستدخل جنة خالدة وتتنعم برحمة الرحمن الواسعة الباقية، وتتنزّه في مُلكه وملكوته الذي يسع السموات والارض، وتتمتع بها بجميع رغبات القلب في سرعة الخيال وفي سعة الروح وجولان العقل وسريانه.. وفوق كل هذا ستحظى برؤية جماله سبحانه في السعادة الابدية.
فكل انسان، لم تنحط انسانيته يستطيع ان يدرك مدى الفرح والسرور اللذين يغمران ذلك الذي يقال له مثل هذا الكلام.
والآن نتوجه الى ذلك القاعد في مقام الاستماع، فنقول له:
مزّق عنك قميص الالحاد، وارمه بعيداً، واستمع بأذن المؤمن، وتقلّد نظر المسلم، فسأبين لك قيمة بضع ثمرات ضمن مثالين صغيرين:
المثال الاول:
هب اننا معك في مملكة واسعة. اينما تتوجه فيها بالنظر فلا ترى الاّ العداء، فكل شئ عدوّ لنا، وكل شئ يضمر عداوة للآخر، وكل ما فيها غريب عنا لا نعرفه، وكل زاوية منها ملأى بجنائز تثير الرعب والدهشة. وتتعالى اصوات من هنا وهناك وهي اصوات نياح واستغاثات اليتامى والمظلومين. فبينما نحن في مثل هذه المآسي والآلام، اذا بأحدٍ يذهب الى سلطان المملكة ويأتي منه ببشرى سارة للجميع.
فاذا ما بدّلتْ تلك البشرى ما كان غريباً عنا احباباً اودّاء.. واذا ما غيّرتْ شكل مَن كنا نراه عدواً الى صورة اخوان احباء.. واذا ما اظهرت لنا الجنائز الميتة المخيفة على صورة عبّاد خاشعين قانتين ذاكرين الله مسبحين بحمده.. واذا ما حوّلت تلك الصياحات والنواحات الى ما يشبه الحمد والثناء والشكر.. واذا ما بدلت تلك الاموات والغصب والنهب الى ترخيص وتسريح من اعباء الوظيفة.. واذا كنا نحن نشارك الآخرين في سرورهم فضلاً عن سرورنا.. عند ذلك يمكنك ان تقدّر مدى السرور الذي يعمنا بتلك البشرى العظيمة.