-انني صغيرة جداً حقاً، ولكن لي وظائف جليلة وجسيمة، ولي علاقات وروابط وثيقة ودقيقة جداً مع جميع خلايا الجسم. فلي وظائف متقنة مع جميع الاوعية الدموية من شرايين واوردة واعصاب محركة وحسية، ومع جميع القوى التي تنظم الجسم كالقوة الجاذبة والدافعة والمولّدة والمصوّرة وامثالها؛ فان كان لك ايها المدّعي علم واسع وقدرة شاملة تنشئ تلك العروق والاعصاب والقوى المودعة في الجسم وتنسقها وتستخدمها في مهماتها.. وكذا ان كانت لديك حكمة شاملة وقدرة نافذة تستطيع ان تتصرف في شؤون اخواتي من خلايا الجسم كلها، والتي تتشابه في الاتقان والروعة النوعية، فهيا اظهرها، ثم ادّع بانك تتمكن من صنعي. والاّ فاغرب عنا. فان الكريات الحمر تزودني بالارزاق، والكريات البيضاء تدافع عني تجاه الامراض المهاجمة. فلي اعمال جسام، لا تشغلني عنها. فان عاجزاً قاصراً أعمى مثلك ليس له حق التدخل في شؤوننا الدقيقة ابداً؛ لأن فينا من النظام المحكم الكامل(1) ما لو يحكمنا غير الحكيم المطلق والقدير
(1) ان الصانع الحكيم قد خلق جسم الانسان على هيئة مدينة منسقة ومنتظمة جداً. فقسم من العروق يقوم بمهمة التلغراف والتلفون، وقسم منها بمثابة الانابيب التي تأتي بالماء من الينابيع فيسير فيها الدم ذلك السائل الباعث على الحياة.. والدم نفسه قد خلق فيه قسمان من الكريات، يطلق على إحداهما الكريات الحمراء التي تقوم بتوزيع الارزاق الى حجيرات البدن، فتوصل اليها ارزاقها بقانون الهي مثلما يقوم موظفو الارزاق وتجّارها بالتوزيع. والقسم الاخر هو الكريات البيضاء التي هي أقل عدداً من الاولى، وتقوم بالدفاع عن الجسم تجاه الامراض متخذة وضعاً سريعاً عجيباً بنوعين من الدوران والحركة - كالمريد المولوي - حالما تدخل حومة المعركة.. اما مجموع الدم فله وظيفتان عامتان..
الاولى: تعمير الحجيرات المتهدمة في الجسم وترميمها.. والاخرى : تنظيف الجسم بجمع النفايات وانقاض الخلايا. وهناك قسمان من العروق ايضاً، يطلق على احدهما الشرايين التي تقوم بنقل الدم الصافي وتوزيعه، فهي بحكم مجاري الدم النقي الصافي.. والآخر: هو مجاري الدم الفاسد الذي يجمع النفايات الضارة والانقاض، ويأتي بها الى الرئة التي هي مركز التنفس.
ان الصانع الحكيم قد خلق عنصرين في الهواء احدهما: الآزوت، والآخر: مولد الحموضة (الاوكسجين) فهذا الاخير ما ان يلامس الدم اثناء التنفس حتى يجذب اليه الكربون الكثيف الذي لوّث الدم محولاً اياه الى مادة سامة يطلق عليها ((حامض الكربون البخاري)) (ثنائي اوكسيد الكربون) وبهذا يقوم بتنقية الدم وتصفيته، فضلاً عن انه يضمن الحرارة الغريزية للجسم. ذلك لان الصانع الحكيم قد وهب لمولد الحموضة والكربون علاقة شديدة تلك التي يطلق عليها (الاُلفة الكيمياوية) بحيث ما ان يقتربا حتى يمتزجا معاً بقانون الهي، فتتولد الحرارة من هذا الامتزاج كما هو ثابت علماً، اذ الامتزاج نوع من احتراق. وحكمة هذا السر هي ما يأتي: ان لذرات كل عنصر من العناصر حركات مختلفة، فاثناء الامتزاج، تمتزج الحركتان معاً وتتحرك الذرتان حركة واحدة، وتظل حركة واحدة معلقة ، سائبة، فتنطلق - بقانون الصانع الحكيم - على صورة حرارة.. ومعلوم ان الحركة تولد الحرارة،كما هو ثابت ومقرر.
وبناء على هذا السر، فكما تتحقق حرارة الجسم الغريزية بهذا الامتزاج الكيمياوي، يتصفى الدم ايضاً عندما يسلب منه الكربون.
وهكذا ينقي الشهيق ماء حياة الجسم ويشعل نار الحياة. اما الزفير فانه يثمر الكلمات المنطوقة من الفم، التي هي معجزات القدرة الالهية، فسبحان من تحير في صنعه العقول. - المؤلف.