القدر الإلهي. فلئن كان النظام دقيقاً في ادنى درجات الحياة كالنباتات والحيوانات ويرفض اي تدخلٍ كان، فكيف بنا ونحن في قمة مراتب الحياة؟ أليس الذي يبدو اختلاطاً وفوضى هو نوع من كتابة ربانية حكيمة؟ أفيمكن للذي مكّن خيوط النقوش البديعة لهذا البساط، كلٌ في موضعه المناسب، وفي اي جزء وطرف كان، ان يكون غير صانعه، غير خالقه الحقيقي، فهل يمكن أن يكون خالق النواة غير خالق ثمرتها؟ وهل يمكن أن يكون خالق الثمرة غير خالق شجرتها؟ ولكنك اعمى لا تبصر! ألاترى معجزات القدرة في وجهي وخوارق الصنعة في فطرتي؟ فان استطعت ان تشاهدها، فستدرك أن خالقي لا يخفى عليه شئ ولا يصعب عليه أمر، ولا يعجزه شئ، يدير النجوم بيسر ادارة الذرات، ويخلق الربيع الشاسع بسهولة خلق زهرة واحدة، وهو الذي ادرج فهرس الكون العظيم في ماهيتي بانتظام دقيق، أفيمكن لعاجز أعمى مثلك أن يحشر نفسه فيتدخل في ابداع هذا الخالق العظيم والصانع الجليل.. ولهذا فاسكت واصرف وجهك عني.. فيمضى مطروداً.
ثم يذهب ذلك المدّعي الى البساط الزاهي المفروش على وجه الارض والحلة القشيبة المزينة التي اُلبست، فخاطبه باسم الاسباب وبلغة الطبيعة ولسان الفلسفة:
- انني اتمكن من التصرف في شؤونك، فانا اذن مالك لك ولي حظ فيك في الأقل.
وعند ذلك تكلم ذلك البساط المزركش، وتلك الحلة القشيبة(1) وخاطبا ذلك المدعي بلغة الحقيقة وبلسان الحكمة المودعة فيهما:
- ان كانت لك قدرة نافذة واتقان بديع يجعلانك تنسج جميع هذه البسط المفروشة والحلل البهية التي تخلع على الارض بعدد القرون
(1) ولكن مثلما ان هذا النسيج ذو حيوية، فهو كذلك في اهتزاز منتظم اذ تتبدل نقوشه باستمرار وبحكمة كاملة وتناسق تام، وذلك اظهاراً لتجليات الاسماء الحسنى المختلفة لنسّاجه البديع في تجليات متنوعة مختلفة.ـ المؤلف