الكلمات | الموقف الثاني | 861
(837-866)

فاللذة التي تحصل عليها الوالدة من راحة اولادها ومن سعادتهم قوية راسخة الى حد تضحي بروحها لأجل راحتهم، حتى ان لذة تلك الشفقة تدفع الدجاجة الى الهجوم على الاسد حماية لأفراخها.
فاللذة والحسن والكمال والسعادة الحقيقية في الاوصاف الراقية الرفيعة اذن لا ترجع الى الاقران ولا تنظر الى الاضداد، بل الى مظاهرها ومتعلقاتها، فان جمال رحمة ذي الجمال والكمال، الحي القيوم، الحنان المنان، الرحمن الرحيم ينظر ويتوجه الى المرحومين الذين نالوا رحمته، ولا سيما الى اولئك الذين نالوا انواع رحمته الواسعة وشفقته الرؤوفة في الجنة الخالدة. وله جل وعلا ما يشبه المحبة - تليق بذاته سبحانه - بمقدار سعادة مخلوقاته وبمدى تنعمهم وفرحهم، وله شؤون سامية مقدسة جميلة منزّهة ذات معانٍ تليق به سبحانه وتعالى، ما لا نستطيع ان نذكرها - لعدم وجود اذن شرعي - من التعابير المنزهة للغاية والمقدسة الجليلة والتي يعبّر عنها باللذة المقدسة والعشق المقدس والفرح المنزّه والسرور القدسي، بحيث أن كلاً منها هي اسمى وارفع وانزه بما لا يتناهى من درجات العلو والسمو والنزاهة مما يظهر في الكائنات وما نشعر به من العشق والسرور بين الموجودات.. كما اثبتناه في مواضع كثيرة.
وان شئت ان تنظر الى لمعة من لمعات تلك المعاني الجليلة فانظر اليها بمنظار هذا المثال:
شخص سخي كريم ذو شفقة ورأفة، أعدّ ضيافة جميلة للفقراء المحتاجين، فبسط ضيافته الفخمة على احدى سفنه الجوالة، واطلع عليهم وهم يتنعمون بانعامه تنعماً بامتنان، ترى كم يكون ذلك الشخص الكريم مسروراً فرحاً، وكم يبتهج بتنعم هؤلاء الفقراء وتلذذ الجياع منهم، ورضى المحتاجين منهم، وثنائهم جميعاً عليه، يمكنك ان تقيسه بنفسك.
وهكذا فالانسان الذي لا يملك ملكاً حقيقياً لضيافة صغيرة، وليس له من هذه الضيافة إلاّ إعدادها وبسطها، ان كان يستمتع وينشرح الى هذا القدر لدى اكرامه الآخرين في ضيافة جزئية، فكيف بالذي تنطلق

لايوجد صوت