الكلمات | الموقف الثالث | 881
(867-904)

ويبسط أمامه البراهين الدامغة على ذلك، فيردم تلك الاغوار العميقة بمراتب رقي معنوي وبأجهزة تكامل روحي.. وكذا ييسر له - بسهولة مطلقة - رحلته الطويلة المضنية العاصفة نحو الابدية، ويهوّنها عليه؛ وذلك بابرازه الوسائط والوسائل التي يمكن أن يقطع بها مسافة ألف سنة، بل خمسين ألف سنة في يوم واحد.
وكذا يضفي على الانسان جلباب العبودية ويكسبه طور عبد مأمور، وضيف موظف لدى الذات الجليلة، وذلك بتعريفه أن الله سبحانه هو مالك الازل والابد، فيضمن له راحة تامة في سياحته في الدنيا المضياف أو في منازل البرزخ في ديار الآخرة.. فكما أن الموظف المخلص للسلطان يتجول بيسر تام في دائرة مملكة سلطانه، ويتنقل من تخوم ولاياته بوسائط سريعة كالطائرة والباخرة والقطار، كذلك الانسان المنتسب بالايمان الى المالك الازلي فانه يمر بالعمل الصالح من منازل الدنيا المضياف ومن دوائر عالمي البرزخ والحشر ومن حدودهما الواسعة الشاسعة بسرعة البَرق والبُراق حتى يجد السعادة الابدية.. فيثبت القرآن الكريم هذه الحقائق إثباتاً قاطعاً ويبرزها عياناً للأصفياء والأولياء.
ثم تستأنف حقيقته قائلة:
أيها المؤمن لا تبذل ما تملكه من قابلية غير محدودة للمحبة الى نفسك التي هي أمارة بالسوء وهي قبيحة ناقصة، وشريرة مضرة لك، ولا تتخذها محبوبتك ومعشوقتك، ولا تجعل هواها معبودك، بل اجعل محبوبك مَن هو أهلٌ لمحبة غير متناهية.. ذلكم القادر على الاحسان اليك احساناً لا نهاية له، والقادر على اسعادك سعادة لا منتهى لها، بل يسعدك كذلك بما يجـزل من احسـاناته علـى جميع مَن ترتبط معهم بعلاقات، فهو الذي له الكمال المطلق والجمال المقدس والمنزّه عن كل نقص وقصور وزوال وفناء.. فجماله لا حدود له وجميع أسمائه جميلة وحسنى.
نعم ان في كل اسم من أسمائه أنوار حُسنٍ وجمال لا نهاية لها؛ فالجنة بجميع لطائفها وجمالها ونعيمها انما هي تجلٍ لإظهار جمال

لايوجد صوت