لحونها من أشجان لمِمّا يأخذ بالألباب.
وأنظر الآن الى السحب الثقال، تجد أن صوت أهازيج الأمطار المنسكبة منها، وجلجلة رعود السماء ليس عبثاً قط، اذ إن إحداث تلك الأصوات العجيبة في فضاء واسع، وإنزال قطرات باعثة على الحياة، وعصرها من السحب الثقال، وارضاع الأحياء بها، وإغاثة المتلهفين عليها، تبين بوضوح أن تلك الأهازيج والجلجلة تحمل من الحِكَم البليغة و المغزى العميق، حتى لكأنّ تلك القطرات تهتف بأمر الرب الكريم بأولئك العطاش المستغيثين قائلة: (بشراكم... ها نحن مقبلون اليكم من رب رحيم).
وانظر الآن الى السماء، وتمعن في القمر وحده - من بين أجرام السماء التي لا حصر لها - تجد ان حركاتـها جميعاً ومن ضمنها القمر منسقة أجمل تنسيق وأحكمه، ومقدّرة أعظـم تقدير بيد قدير حكيم، إذ تتعلق عليها حِكمٌ غزيرة، وثيقة الصلة بالأرض. وحيث أننا قـد فصلنا هذا في موضع آخر، نكتفي هنا بهذا القدر.
وهكذا يفتح كُلٌ ممـا ذكرناه من العناصر الكلية - ابتداءً من الضوء وانتهاءً بالقمر - نافذة واسعة جداً تبين وجود الله سبحانه، وتظهر وحدانيته، وتعلن عـن كمال قدرته وعظمة سلطنته، بمقياس أعظم وأكبر وبألوان شتى، وأنواع مختلفة.
فيا أيها الغافل!
إن كنت تقدر على إسكات هذه الأصوات المدوية كرعود السماء، وان كنت تستطيع ان تطفئ هذه الأضواء الساطعة. فيمكنك عندئذ ان تنسى الخالق الكريم. وإلاّ عُد الى رشدك، وتوجَّه الى شطر عقلك وقل: سبحان من ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمواتُ السَّبْعُ وَالاَرضُ وَمَنْ فيهِنَّ﴾(الاسراء:44).