الكلمات | الكلمة الثالثة والثلاثون | 943
(905-964)

متنَ الخيال ليذهب بعيداً الى الماضي الذي درجت اليه جنائز كل ربيع راحل، فتتفتح عندئذ أمام النظر مشاهد من الموت والحياة أوسع من هذا المنظر المحصور في الحاضر الراهن.
لأن كل ربيع راحل مما لا يُحصى من الاربِعَةِ، كان مشحوناً ملء الأرض بمعجزات القدرة الإلهية، وهو يُشعِرُ الانسان بمجئ موجودات تتدفق بالحياة وتملأ الأرض كلها في ربيع مقبل.
فنجد بهذا أن موت الربيع يشهد شهادة بمقياس عظيم جداً، وبصورة رائعة جداً وبدرجة من القوة أكثر على الخالق ذي الجلال، والقدير ذي الكمال، والحي القيوم، والنور السرمدي، ويشير الى وحدانيته، وسرمديته تبارك وتعالى. فيبين - هذا الموت - دلائل باهرة الى حدّ يرغمك معه على القول بداهةً [ آمنت بالله الواحد الأحد].
الخلاصة: انه حسب الحكمة التي تتضمنها الآية الكريمة:﴿وَيُحْيْىِ الاَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ فان الأرض الحية هذه كـما أنها تشهد على الخالق الحكيم سبحانه بحياتها، فانها بموتها تلفت النظر الى التأمل في معجزات القدرة الإلهية التي تطرز جناحي الزمن؛ الماضي والمستقبل، فيعرض الله سبحانه بهذا الموت أمام نظر الانسان ألوفاً من الاربِعَةِ بدلاً من ربيع واحد، فبدلاً من أن تشهد على قدرته سبحانه معجزةٌ واحدة وهي هنا الربيع الحاضر تشهد عليها بهذا الموت الذي حلَّ في الربيع الحاضر ألوفُ المعجزات.
فكل ربيع من تلك الألوف من الأربِعَةِ، يشهد شهادة أقوى على الوحدانية من الربيع الحاضر، لأنَّ الذي أرتحل الى جهة الماضي قد أرتحل اليه بأسباب قدومه الظاهرة التي ليس لها صفة البقاء، فالأسباب التي تذهب وتأتي ليست لها إذن تأثير قط في إحلال ربيع جديد عقب الربيع الراحل، بل القدير ذو الجلال الذي لا يحول ولا يزول هو الذي خلقه من جديد وربطه بحكمته بالأسباب الظاهرة، وأرسله على الصورة الرائعة الى ميدان الشهود.
أما وجوه الأرض التي ستأتي في المستقبل، والمزهرة بالربيع

لايوجد صوت