اصوات اذكار في هذه الطريق وتسابيح وحمد وشكر.
فترنمات الرياح ورعدات الرعود ونغمات الامواج.. تسبيحات سامية جليلة وهزجات الامطار وسجعات الاطيار.. تهاليل رحمة وعناية..
كلها مجازات تومئ الى حقيقة.
نعم! ان صوت الاشياء، صدى وجودها، يقول: انا موجود.
وهكذا تنطق الكائنات كلها معاً وتقول: ايها الانسان الغافل لا تحسبنا جامدات! فالطيور تنطق، في تذوق نعمةٍ، أو نزول رحمةٍ فتزقزق باصوات عذبة، بافواه دقيقة ترحاباً بنزول الرحمة المهداة. حقاً النعمة تنزل عليها، والشكر يديمها، وهي تقول رمزاً: ايتها الكائنات! يا اخوتي! ما اطيب حالنا! ألا نُربّى بالشفقة والرأفة.. نحن راضون عما نحن عليه من احوال.. وهكذا تبث اناشيدها بمناقيرها الدقيقة، حتى تحول الكائنات كلها الى موسيقى رفيعة.
ان نور الايمان هو الذي يسمع اصداء الاذكار وانغام التسابيح، حيث لامصادفة ولااتفاقية عشواء.
ايها الصديق!
ها نحن نغادر هذا العالم المثالي، ونقف على عتبة العقل وندخل ميدانه، لنزن الامور بميزانه كي نميّز الطرق المختلفة.
فطريقنا الاولى: طريق المغضوب عليهم والضالين. تورث الوجدان حساً أليماً وعذاباً شديداً حتى في اعمق اعماقه، فتطفح تلك المشاعر المؤلمة الى الوجوه، فنخادع انفسنا مضطرين للنجاة من تلك الحالة، ونحاول التسكين والتنويم وابطال الشعور وإلغائه.. وإلاّ لا نطيق تجاه استغاثات وصيحات لا تنقطع! فالهوى يبطل الحس ويخدّر الشعور، والشهوات الساحرة تطلب اللهو، كي تخدع الوجدان وتستغفله وتنيم الروح وتسكّنها لئلا تشعر بالألم. لأن ذلك الشعور يحرق الوجدان حتى لا يكاد يطاق صراخه من شدة الالم.. ألا ان ألم اليأس لا يطاق حقاً!
اذ كلما ابتعد الوجدان عن الصراط المستقيم اشتدت عليه تلك الحالة، حتى ان كل لذة تترك أثراً من الألم، ولا تجدي بهرجة المدنية الممزوجة بالشهوات والهوى واللهو.. انها مرهم فاسد وسمّ منوّم للضيق