نعم! لما ارادنا المولى الكريم، اخرجتنا قدرتُه من العدم، رحمةً منه وفضلاً. واركبنا قانون المشيئة الإلهية، وسيّرنا على الاطوار والادوار.. ها قد أتى بنا، وخلع علينا خلعة الوجود وهو الرؤوف، واكرمنا منزلة الأمانة، شارتُها الصلاة والدعاء.
كل دور وطور منزل من منازل الضعف في طريقنا الطويلة هذه، وقد كتب القدر على جباهنا أوامره لتيسير امورنا، فاينما حللنا ضيوفاً نُستقبل بالترحاب الاخوى. نسلّمهم ما عندنا ونتسلّم من اموالهم.. هكذا تجري التجارة في محبة ووئام. يغذّوننا، ثم يحمّلوننا بالهدايا، ويشيّعوننا.. هكذا سرنا في الطريق، حتى بلغنا باب الدنيا، نسمع منها الاصوات.
وها قد اتيناها ودخلناها، وطأت اقدامنا عالم الشهادة، معرض الرحمن، مشهر مصنوعاته، وموضع صخب الانسان وضجيجه. دخلناها ونحن جاهلون بكل ما حولنا، دليلنا وإمامنا مشيئة الرحمن، ووكيلها عيوننا اللطيفة.
ها قد فتحت عيونُنا، أجلناها في اقطار الدنيا.. أتذكر مجيئنا السابق الى ههنا؟ كنا ايتاماً غرباء، بين اعداء لا يعدّون من دون حامٍ ولا مولى.
أما الآن، فنور الايمان (نقطة استناد) لنا، ذلك الركن الشديد تجاه الاعداء.
حقاً، ان الايمان بالله نورحياتنا، ضياء روحنا، روح ارواحنا، فقلوبنا مطمئنة بالله لا تعبأ بالاعداء، بل لا تعدّهم اعداء.
في الطريق الاولى، دخلنا الوجدان، سمعنا الوف الصيحات والاستغاثات، ففزعنا من البلاء. اذ الآمال والرغبات والمشاعر والاستعدادات لا ترضى بغير الأبد. ونحن نجهل سبيل اشباعها. فكان الجهل منا، والصراخ منها.
أما الآن، فالله الحمد والمنة، فقد وجدنا (نقطة استمداد) تبعث الحياة في الآمال والاستعدادات، وتسوقها الى طريق أبد الآباد. فيتشرب الاستعداد منها والآمال ماء الحياة، وكلٌ يسعى لكماله.
فتلك النقطة المشوقة، نقطة الاستمداد، هي القطب الثاني من الايمان، وهو الايمان بالحشر. والسعادة الخالدة هي درّة ذلك الصدف