الكلمات | الكلمة العاشرة | 104
(56-121)

الواهية السيالة التافهة المتغيرة. فلابد أن هناك داراً اخرى باقية، دائمة، جليلة، عظيمة، مستقرة، تليق به سبحانه فهو يسوقنا الى السعي الدائب لأجل تلك الممالك والديار ويدعونا اليه وينقلنا الى هناك. يشهد على هذا اصحاب الأرواح النيرة، وأقطاب القلوب المنورة، وأرباب العقول النورانية، الذين نفذوا من الظاهر الى الحقيقة، والذين نالوا شرف التقرب اليه سبحانه. فهم يبلغوننا متفقين انه سبحانه قد أعد ثواباً وجزاءاً، وأنه يَعِد وعداً قاطعاً، ويوعد وعيداً جازماً..
فاخلاف الوعد لا يمكن أن يدنو الى جلاله المقدّس، لأنه ذلّة وتذلل. وأما اخلاف الوعيد فهو ناشئ من العفو أو العجز. والحال أن الكفر جناية مطلقة(1) لا يستحق العفو والمغفرة. اما القدير المطلق فهو قدوس منزّه عن العجز، وأما المخبرون والشهود فهم متفقون اتفاقاً كاملاً على اساس هذه المسألة رغم اختلاف مسالكهم ومناهجهم ومشاربهم. فهم من حيث الكثرة بلغوا درجة التواتر، ومن حيث النوعية بلغوا قوة الاجماع، ومن حيث المنزلة فهم نجوم البشرية وهداتها وأعزة القوم وقرة عيون الطوائف. ومن حيث الأهمية فهم في هذه المسألة (أهل اختصاص وأهل اثبات). ومن المعلوم ان حكم اثنين من أهل الاختصاص في علم أو صنعة يرجّح على آلاف من غيرهم، وفي الاخبار والرواية يرجح قول اثنين من المثبتين على آلاف من النافين المنكرين، كما في اثبات رؤية هلال رمضان، حيث يرجّح شاهدان مثبتان، بينما يضرب بكلام آلاف من النافين عرض الحائط.
والخلاصة: لا خبر اصدق من هذا في العالم، ولا قضية أصوب 

(1) نعم ان الكفر اهانة وتحقير للكائنات جميعاً، حيث يتهمها بالعبثية وانتفاء النفع. وهو تزييف تجاه اسماء الله الحسنى، لأنه ينكر تجلي تلك الاسماء على مرايا الموجودات. وهو تكذيب للمخلوقات جميعاً حيث يردّ شهادة الموجودات على الوحدانية. لذا فانه يفسد قوى الانسان واستعداداته الى درجة يسلب منه القدرة على تقبل الخير والصلاح. فالكفر اذن ظلم عظيم جداً، اذ هو تجاوز لحقوق جميع المخلوقات، ولجميع الاسماء الحسنى، لذا فحفاظاً على هذه الحقوق، ولعدم تمكن نفس الكافر من قبول الخير، اقتضى حرمانه من العفو. والآية الكريمة: ﴿ان الشِركَ لظُلمٌ عظيمٌ﴾ تفيد هذا المعنى. ــ المؤلف.

لايوجد صوت