رجعة بعده يستلزم انتفاء حقيقة الرحمة من الوجود، بتبديله الشفقة مصيبةً، والمحبة حرقةً، والنعمة نقمةً واللذة ألماً، والعقل المحمود عضواً مشؤوماً.
وعليه فلابد من دار جزاء تناسب ذلك الجلال والعزة وتنسجم معها. لأنه غالباً ما يظل الظالمُ في عزته، والمظلومُ في ذلته وخنوعه، ثم يرحلان على حالهما بلا عقاب ولا ثواب.
فالامر اذن ليس اِهمالاً قط، وِان اُمهلَت الى محكمة كبرى، فالقضية لم تُهمل ولن تُهمل، بل قد تُعَجّل العقوبة في الدنيا. فانزال العذاب في القرون الغابرة بأقوام عصت وتمردت يبين لنا ان الانسان ليس متروكاً زمامه، يسرح وفق ما يملى عليه هواه، بل هو معرّض دائماً لصفعات ذي العزة والجلال.
نعم، ان هذا الانسان الذي انيط به - من بين جميع المخلوقات - مهام عظيمة، وزود باستعدادات فطرية كاملة، اِن لم يعرف ربه (بالايمان) بعد ان عرّف سبحانه نفسَه اليه بمخلوقاته البديعة المنتظمة.. وان لم ينل محبته بالتقرب اليه بـ (العبادة) بعد أن تحبب اليه سبحانه بنفسه وعرّفها اليه بما خلق له من الثمار المتنوعة الجميلة الدالة على رحمته الواسعة.. وان لم يقم بالتوقير والاجلال اللائقين به (بالشكر والحمد) بعد ان اظهر سبحانه محبته له ورحمته عليه بنعمه الكثيرة... نعم، اِن لم يعرف هذا الانسان ربه هكذا، فكيف يُترك سدى دون جزاء، ودون ان يعدّ له ذو العزة والجلال داراً للعقاب؟
وهل من الممكن ان لا يمنح ذلك الرب الرحيم دار ثوابٍ وسعادة ابدية، لأولئك المؤمنين الذين قابلوا تعريفَ ذاته سبحانه لهم بمعرفتهم اياه بـ (الايمان) ومحبته لهم، بالحب والتحبب له بـ (العبادة)، ورحمته لهم بالاجلال والتوقير له بـ (الشكر)؟