الكلمات | الكلمة العاشرة | 94
(56-121)

المدّخرة لدى الرحمة الإلهية في الجنة للمؤمنين.
الاساس الخامس:
وستفهم ان هذه المصنوعات الفانية ليست للفناء، ولم تخلق لتشاهَد  

شيء ومقاصد حياته ثلاثة اقسام:
اولها: وهو أسماها وهو المتوجه الى صانعه سبحانه وتعالى. اي: عرض دقائق صنع كل شيء وبديع تركيبه امام انظار الشاهد الازلي سبحانه ـ بما يشبه الاستعراض الرسمي ـ حيث تكفي لذلك النظر حياة الشيء ولو للحظة واحدة. بل قد يكفيه استعداده لابراز قواه الكامنة ـ الشبيهة بنيّته ـ ولمّا يبرز الى الوجود . ومثاله : المخلوقات اللطيفة التي تزول بسرعة، والبذور التي لم يتسن لها اعطاء ثمارها وازاهيرها، تفيد هذه الغاية وتعبّر عنها تماماً، فلا يطرأ عليها عبث ولا انتفاء النفع البتة. اي ان اُولى غايات كل شيء هو: اعلانه واظهاره ـ بحياته ووجوده ـ معجزات قدرة صانعه، وآثار صنعته، امام انظار عناية مليكه ذي الجلال.
والقسم الثاني: من غاية الوجود وهدف الحياة هو: التوجه الى ذوي الشعور أي ان كل شيء بمثابة رسالة ربانية زاخرة بالحقائق، وقصيدة تنضح لطفاً ورقةً وكلمة تفصح عن الحكمة، يعرضها الباري عز وجل امام انظار الملائكة والجن والحيوان والانسان، ويدعوهم الى التأمل، اي ان كل شيء هو محل مطالعة وتأمل وعبرة لكل من ينظر اليه من ذوي الشعور.
القسم الثالث: من غاية الوجود وهدف الحياة هو: التوجه الى ذات نفسه: كالتمتع والتلذذ وقضاء الحياة والبقاء فيها بهناء، وغيرها من المقاصد الجزئية. فمثلاً : ان نتيجة عمل الملاّح في سفينة السلطان العظيمة تعود فائدتها اليه وهي اجرته، وهي بنسبة واحد في المائة، بينما تسع وتسعين بالمائة من نتائج السفينة تعود الى السلطان الذي يملكها.. وهكذا ان كانت الغاية المتوجهة الى كل شيء بذاته والى دنياه واحدة، فالغاية المتوجهة الى بارئه سبحانه هي تسع وتسعون.
ففي تعدد الغايات هذا يكمن سر التوفيق بين (الحكمة والجود) اي بين (الاقتصاد والسخاء المطلقين) اللذين يبدوان كالضدين والنقيضين. وتوضيح ذلك:
اذا لوحظت غاية بمفردها فان الجود والسخاء يسودان آنذاك، ويتجلى اسم (الجواد)، فالثمار والحبوب حسب تلك الغاية المفردة الملحوظة لا تعد ولا تحصى. أي انها تفيد جوداً مطلقاً وسخاء لا حصر له. اما اذا لوحظت الغايات كلها فان الحكمة هي التي تظهر وتهيمن، ويتجلى اسم (الحكيم). فتكون الحِكَم والغايات المتوخاة من ثمرة لشجرة واحدة بعدد ثمار تلك الشجرة، فتتوزع هذه الغايات على الأقسام الثلاثة التي سبق ذكرها. فهذه الغايات العامة تشير الى حكمة غير نهائية، واقتصاد غير محدد، فتجتمع الحكمة المطلقة مع الجود المطلق اللذان يبدوان كالضدين.
ومثلاً: ان احدى الغايات من الجيش هي المحافظة على الأمن والنظام، فاذا نظرت الى الجيش بهذا المنظار فسترى ان هناك عدداً فوق المطلوب منه. اما اذا نظرنا اليه مع اخذنا الغايات الاخرى بنظر الاعتبار كحفظ الحدود، ومجاهدة الاعداء وغيرها، عند ذلك نرى ان العدد يكاد يفي بالحد المطلوب... فهو اذن توازن دقيق بميزان الحكمة. اذ تجتمع (حكمة) الحكومة مع (عظمتها). وهكذا يمكن القول في هذه الحالة: أن الجيش ليس فوق الحد المطلوب. ـ المؤلف.

لايوجد صوت