حيناً ثم تذهب هباءً، وانما اجتمعت هنا، واخذت مكانها المطلوب لفترة قصيرة كي تُلتقط صورها، وتُفهم معانيها، وتُدوّن نتائجها، ولتُنسج لأهل الخلود مناظر أبدية دائمة ولتكون مداراً لغايات اخرى في عالم البقاء.
ويفهم من المثال الآتي، كيف ان هذه الاشياء لم تخلق للفناء بل للبقاء، بل ان فناءها الظاهري ليس اِلاّ اطلاقاً لسراحها بعدما انهت مهامّها، وكيف أن الشئ يفنى من جهة الا انه يبقى من جهات كثيرة:
تأمل في هذه الزهرة - وهي كلمة من كلمات القدرة الإلهية - انها تنظر الينا مبتسمة لنا لفترة قصيرة، ثم تختفي وراء ستار الفناء. فهي كالكلمة التي نتفوه بها، التي تودع آلافاً من مثيلاتها في الآذان وتبقى معانيها بعدد العقول المنصتة لها، وتمضي بعد أن أدت وظيفتها، وهي افادة المعنى. فالزهرة ايضاً ترحل بعد أن تودع في ذاكرة كل من شاهدها صورتها الظاهرة، وبعد ان تودع في بذيراتها ماهيتها المعنوية، فكأن كل ذاكرة وكل بذرة، بمثابة صور فوتوغرافية لحفظ جمالها وصورتها وزينتها، ومحل اِدامة بقائها.
فلئن كان المصنوع وهو في أدنى مراتب الحياة يعامل مثل هذه المعاملة للبقاء، فما بالك بالانسان الذي هو في أسمى طبقات الحياة، والذي يملك روحاً باقية، ألا يكون مرتبطاً بالبقاء والخلود؟ ولئن كانت صورة النبات المزهر المثمر، وقانون تركيبه – الشبيه جزئياً بالروح – باقية ومحفوظة في بُذيراتها بكل انتظام، في خضم التقلبات الكثيرة، أفلا يُفهم كم تكون روح الانسان باقية، وكم تكون مشدودة مع الخلود، علماً انها قانون أمري، وذات شعور نوراني، تملك ماهية راقية، وذات حياة، وذات خصائص جامعة شاملة، وقد اُلبست وجوداً خارجياً؟!
الاساس السادس:
وستفهم ان الانسان لم يترك حبله على غاربه، ولم يترك طليقاً ليرتع اينما يريد، بل تُسجّل جميع اعماله وتُلتقط صورها، وتدوّن