جميع الكتب السماوية، وان المعجزات والبراهين التي تثبت نبوة حبيب الله بل الانبياء جميعهم، تثبت بدورها أهم ما يدعون اليه، وهو تحقق الآخرة وتدل عليها. كما ان اغلب الادلة والحجج الشاهدة على وجوب واجب الوجود ووحدته سبحانه، هي بدورها شاهدة على دار السعادة وعالم البقاء التي هي مدار الربوبية والالوهية وأعظم مظهر لهما، وهي شاهدة على وجود تلك الدار وانفتاح أبوابها - كما سيُبين في المقامات الآتية - لأن وجوده سبحانه وتعالى، وصفاته الجليلة، وأغلب اسمائه الحسنى، وشؤونه الحكيمة، وأوصافه المقدسة أمثال الربوبية والالوهية والرحمة والعناية والحكمة والعدالة تقتضي جميعها الآخرة وتلازمها، بل تستلزم وجود عالم البقاء بدرجة الوجوب وتطلب الحشر والنشور للثواب والعقاب بدرجة الضرورة أيضاً.
نعم، ما دام الله موجوداً، وهو واحد، أزلي أبدي، فلابد ان محور سلطان الوهيته وهو الآخرة، موجود ايضاً.. وما دامت الربوبية المطلقة تتجلى في هذه الكائنات ولا سيما في الاحياء وهي ذات جلال وعظمة وحكمة ورأفة ظاهرة واضحة، فلابد أن هناك سعادة أبدية تنفي عن الربوبية المطلقة أيّ ظن بكونها تترك الخلق هملاً دون ثواب، وتبرئ الحكمة من العبث، وتصون الرأفة من الغدر. أي أن تلك الدار موجودة قطعاً ولابد من الدخول فيها.
وما دامت هذه الأنواع من الإنعام والاحسان واللطف والكرم والعناية والرحمة مشاهدة وظاهرة أمام العقول التي لم تنطفئ، وامام القــلوب الـتي لــم تمـت، وتدلّنا على وجوب وجود رب رحمن رحيم وراء الحجاب، فلابد من حياة باقية خالدة، لتنقذ الإنعامَ من الاستهزاء أي يأخذ الانعام مداه، وتصون الاحسان من الخداع ليستوفي حقيقته، وتنقذ العناية من العبث لتـستكمل تحقـقها، وتنجي الرحمــة من النقمة فيتم وجوهها، وتبرىء اللطف والكرم من الاهانة ليفيضا على العباد. نعم، ان الذي يجعل الاحسان احساناً حقاً، والنعمة نعمةً حقاً، هو وجود حياةٍ باقيةٍ خالدةٍ في عالم البقاء والخلود.. نعم، لابد ان يتحقق