من العصفور بعشرين درجة.
بل العقل الذي هو أثمن نعمة يصبح بلاءً ومصيبة على الانسان بتفكره في أحزان الزمان الغابر ومخاوف المستقبل، فيعذّب قلبَه دائماً معكراً صفو لذة واحدة بتسعة آلام!. ولاشك أن هذا باطل مائة في المائة.
فهذه الحياة الدنيا اذن تثبت ركن (الايمان بالآخرة) اثباتاً قاطعاً بما تظهر لنا في كل ربيع اكثر من ثلاثمائة الف نموذج من نماذج الحشر.
فيا ترى هل يمكن لربّ قدير، يهئ ما يلزم حياتك من الحاجات المتعلقة بها جميعاً ويوفر لك اجهزتها كلها سواءٌ في جسمك أو في حديقتك أو في بلدك، ويرسله في وقته المناسب بحكمة وعناية ورحمة، حتى أنه يعلم رغبة معدتك فيما يكفل لك العيش والبقاء، ويسمع ما تهتف به من الدعاء الخاص الجزئي للرزق مبُدياً قبوله لذلك الدعاء بما بثّ من الاطعمة اللذيذة غير المحدودة ليُطمئن تلك المعدة ! فهل يمكن لهذا المدبّر القدير ان لا يعرفك؟ ولا يراك؟ ولا يهئ الاسباب الضرورية لأعظم غاية للانسان وهي الحياة الأبدية؟ ولا يستجيب لأعظم دعاء وأهمه وأعمّه، وهو دعاء البقاء والخلود؟ ولا يقبله بعدم انشائه الحياة الآخرة وايجاد الجنة؟ ولا يسمع دعاء هذا الانسان وهو أسمى مخلوق في الكون بل هو سلطان الارض ونتيجتها.. ذلك الدعاء العام القوي الصادر من الاعماق، والذي يهز العرش والفرش! فهل يمكن ان لا يهتم به اهتمامَه بدعاء المعدة الصغيرة ولا يُرضي هذا الانسان؟ ويعرّض حكمتَه الكاملة ورحمته المطلقة للانكار؟ كلا.. ثم كلا ألف ألف مرة كلا.
وهل يعقل ان يسمع اخفت صوت لأدنى جزء من الحياة فيستمع لشكواه ويسعفه، ويحلم عليه ويربيه بعناية كاملة ورعاية تامة وباهتمام بالغ مسخراً له اكبر مخلوقاته في الكون، ثم لا يسمع صوتاً كهزيم السماء لأعظم حياة وأسماها وألطفها وأدومها؟ وهل يعقل ألاّ يهتم بدعائه المهم وهو دعاء البقاء، وألاّ ينظر الى تضرعه ورجائه وتوسله؟ ويكون كمن يجهز بعناية كاملة جندياً واحداً بالعتاد، ولا