معنىً وصنعةً. ومع صغر الارض وحقارتها بالنسبة الى السماء فهي قلب الكون ومركزه.. ومشهر جميع معجزات الصنعة الربانية.. ومظهر جميع تجليات الاسماء الحسنى وبؤرتها.. ومعكس الفعاليات الربانية المطلقة ومحشرها وسوق عرض المخلوقات الإلهية بجود مطلق، ولاسيما عرضها لكثرة كاثرة من النباتات والحيوانات.. وهي نموذج مصغر لما يعرض في عوالم الاخرة من مصنوعات.. ومصنع يعمل بسرعة فائقة لانتاج المنسوجات الابدية والمناظر السرمدية المتبدلة بسرعة.. وهي مزرعة ضيقة مؤقتة لإستنبات بذور البساتين الدائمة الخالدة.
ومن هذه العظمة المعنوية للارض(1) واهميتها من حيث الصنعة، جعلها القرآن الكريم كفؤاً للسموات وعدلاً لها، مع انها بالنسبة للسموات كالثمرة الصغيرة بشجرتها الضخمة، فيجعلها في كفة والسموات في كفة اخرى، فيكرر الآية الكريمة ﴿رب السموات والارض﴾.
(1) نعم! ان الارض مع صغرها يمكن ان تعدل السموات، لأنه يصح القول: ان نبعاً دائم العطاء هو اكبر من بحيرة لا يجنى منها شئ. ثم انه اذا كيل شئ ما بمكيال، ووضع جانباً، ثم كيلت محاصيله بالمكيال نفسه، ووضعت الى جانب آخر، فمهما كانت هذه المواد اضخم واكبر من المكيال نفسه، ولو بالوف المرات ظاهراً، الاّ أن المكيال يمكن ان يعادل ذلك الجسم ويقارن معه.
كذلك الارض، فقد خلقها سبحانه وتعالى: مشهر صنعته، محشر ايجاده، مدار حكمته، مظهر قدرته، مزهر رحمته، مزرعة جنته، مكيل الموجودات ــ اي وحدة قياس لعوالم المخلوقات ـ وخلقها نبعاً فياضاً تسيل منه (الموجودات) الى بحار الماضي والى عالم الغيب. وخلقها بحيث يبدّل عليها سنوياً اثوابها المنسوجة ببدائع صنعه، يبدلها الواحدة تلو الاخرى، بمئات الالوف من الانواع والاشكال.
والآن خذ امام نظرك تلك العوالم الكثيرة التي تصب في عالم الغيب، وتلك الاثواب الكثيرة جداً التي تلبسها الارض وتنزعها، اي افترض جميع ما في الارض حاضراً، ثم قابلها مع السموات التي هي على وتيرة واحدة، وبساطة غير معقدة، ووازن بينهما، ترى أن الارض، ان لم تثقل على كفة السموات فلا تبقى قاصرة عنها. ومن هنا تفهم سر الآية الكريمة: ﴿رب السموات والارض﴾.ــ المؤلف.