ثم لابد من وجود علامة على هذه المعاملة المهمة وهذه المبارزة المعنوية في عالم الشهادة، لأن عظمة الربوبية تقتضي ان تضع اشارة على التصرفات الغيبية الإلهية المهمة وعلامة عليها ليبصرها ذوو الادراك والشعور ولاسيما الانسان الحامل لاجلّ وظيفة وهي المشاهدة والشهادة والدعوة والاشراف. فكما انه سبحانه قد جعل المطر اشارة الى معجزات الربيع، وجعل الاسباب الظاهرة علامة على خوارق صنعته، جاعلاً اهل عالم الشهادة شاهدين عليها، فلا ريب أنه يجلب انظار جميع اهل السماء واهل الارض الى ذلك المشهد العظيم العجيب. فيظهر تلك السماء العظيمة كالقلعة الحصينة التي زينت بروجها بحراس مصطفين حولها، أو كالمدنية العامرة التي تشوق اهل الفكر الى التأمل فيها.
فما دام اعلان هذه المبارزة الرفيعة ضرورية تقتضيها الحكمة، فلابد من وجود اشارة عليها. بينما لا تشاهد اية حادثة كانت ضمن الحادثات الجوية والسماوية تلائم هذا الاعلان وتناسبه. فان ما ذكرناه اذن هو أنسب علامة عليها، لان الحادثات النجمية، من رمي الشهب الشبيه برمي المجانيق، واطلاق طلقات التنوير من القلاع العالية وبروجها الحصينة، مما يفهم بداهةً مدى مناسبتها وملاءمتها برجم الشياطين بالشهب، مع انه لا تعرف لهذه الحادثة ـ رجم الشياطين ـ غير هذه الحكمة، ولا تعرف لها غاية تناسبها غير التي ذكرناها، فضلاً عن أن رجم الشياطين حادثة مشهورة منذ زمن سيدنا آدم عليه السلام ومشهودة لدى اهل الحقيقة، خلاف الحادثات الاخرى.
المرتبة السادسة:
لما كان الانس والجن يحملان استعداداً لا نهاية له للشر والجحود، فهما قادران على تمرد وطغيان لا نهاية لهما، لذا يزجر القرآن الكريم ببلاغته المعجزة، وباساليب باهرة سامية ويضرب الامثال الرفيعة القيمة ويذكر مسائل دقيقة، يزجر بها الانس والجن من الطغيان والعصيان زجراً عنيفاً يهزّ الكون كله.
فمثلاً قوله تعالى: