الكلمات | المقام الثاني | 327
(324-346)

من الانبياء رائداً لصنعتهم وقطباً لمهنتهم. فالملاحون - مثلاً - اتخذوا سيدنا نوحاً عليه السلام رائدهم والساعاتيون اتخذوا سيدنا يوسف عليه السلام امامهم، والخياطون اتخذوا سيدنا ادريس عليه السلام مرشدهم..
ولما كان العلماء المحققون من أهل البلاغة قد اتفقوا جميعاً ان لكل آية كريمة وجوهاً عدة للارشاد، وجهات كثيرة للهداية، فلا يمكن اذاً ان تكون أسطع الآيات وهي آيات المعجزات، سرداً تاريخياً، بل لابد انها تتضمن ايضاً معاني بليغة جمة للارشاد والهداية.
نعم، ان القرآن الكريم بايراده معجزات الانبياء انما يخط الحدود النهائية لأقصى ما يمكن ان يصل اليه الانسان في مجال العلوم والصناعات، ويشير بها الى أبعد نهاياتها، وغاية ما يمكن ان تحققه البشرية من أهداف، فهو بهذا يعيّن أبعد الاهداف النهائية لها ويحددها، ومن بعد ذلك يحث البشرية ويحضّها على بلوغ تلك الغاية، ويسوقها اليها. اذ كما ان الماضي مستودع بذور المستقبل ومرآة تعكس شؤونه، فالمستقبل ايضاً حصيلة بذور الماضي ومرآة آماله.
وسنبين بضعة نماذج مثالاً، من ذلك النبع الفياض الواسع:
 فمثلاً: ﴿ولسليمنَ الريح غدوّها شهرٌ ورَواحُها شهرٌ﴾(سبأ:12).
هذه الآية الكريمة تبين معجزة من معجزات سيدنا سليمان عليه السلام.
وهي تسخير الريح له، أي أنه قد قطع في الهواء ما يقطع في شهرين في يوم واحد.
فالآية تشير الى ان الطريق مفتوح امام البشر لقطع مثل هذه المسافة في الهواء.
فيا ايها الانسان! حاول ان تبلغ هذه المرتبة، واسعَ للدنو من هذه المنزلة ما دام الطريق ممهداً أمامك.
فكأن الله سبحانه وتعالى يقول في معنى هذه الآية الكريمة:

لايوجد صوت