السموات والارض، ثم تزيين السموات بالنجـوم واعمــار الارض بـــذوي الحياة، ثم تبدل المواسم بتسخير الشمس والقمر،ثم سلسلة الشؤون الربانية في اختلاف الليل والنهار وتعاقبهما.. وهكذا تدريجياً حتى تبلغ خصوصية الملامح والاصوات وامتيازها وتشخصاتها التي هي اكثر مواضع انتشار الكثرة.
فاذا ما وجد انتظام بديع حكيم محير للالباب، وتبينَ عملُ قلمٍ صَنّاع حكيم في اكثر المواضع بُعداً عن الانتظام وازيدها تعرضاً للمصادفة ظاهراً، تلك هي ملامح وجوه الانسان والوانه، فلابد أن الصحائف الأخرى الظاهر نظامها تفهم بنفسها وتدل على مصّورها البديع.
ثم انه لما كان اثر الابداع والحكمة يُشاهد في أصل خلق السموات والارض التي جعلها الصانع الحكيم الحجر الاساس للكون، فلابد أن نقش الحكمة واثر الابداع ظاهر جداً في سائر اجزاء الكون.
فهذه الآية حوت ايجازاً لطيفاً معجزاً في اظهار الخفي واضمار الظاهر فأوجزتْ وأجملت. حقاً ان سلسلة البراهين المبتدئة من ﴿فسبحان الله حين تمسون..﴾ الى ﴿وله المثل الاعلى في السموات والارض وهو العزيز الحكيم﴾ والتي تتكرر فيها ست مرات (ومن آياته... ومن آياته) انما هي سلسلة جواهر، سلسلة نور، سلسلة اعجاز، سلسلة ايجاز اعجازي؛ يتمنى القلب ان اُبيّن الجواهر الكامنة في هذه الكنوز، ولكن ما حيلتي فالمقام لا يتحمله، فلا افتح ذلك الباب، واعلق الامر الى وقت آخر بمشيئة الله.
ومثلاً:
﴿...فارسلون يوسفُ ايها الصدِّيق﴾(يوسف: 45-46) فبين كلمة (فارسلون) وكلمة (يوسف) يكمن معنى العبارة التالية: الى يوسف لأستعبر منه الرؤيا، فأرسلوه، فذهب الى السجن، وقال.. بمعنى انه أوجز عدة جملٍ في جملة واحدة من دون ان يخلّ بوضوح الآية ولا