ان دساتير القرآن الكريم وقوانينه لأنها آتية من الازل فهي باقية وماضية الى الابد. لاتهرم ابداً ولا يصيبها الموت، كما تهرم القوانين المدنية وتموت، بل هي شابة وقوية دائماً في كل زمان.
فمثلاً: ان المدنية بكل جمعياتها الخيرية، وانظمتها الصارمة ونظمها الجبارة، ومؤسساتها التربوية الاخلاقية لم تستطع ان تعارض مسألتين من القرآن الكريم بل انهارت امامهما وهي في قوله تعالى :
﴿وآتوا الزكاة﴾(البقرة: 43) و﴿..واحلّ الله البيع وحرّم الربا﴾(البقرة: 275)
سنبين هذا الظهور القرآني المعجز وهذه الغالبية بمقدمة:
ان اس اساس جميع الاضطرابات والثورات في المجتمع الانساني انما هو كلمة واحدة، كما أن منبع جميع الاخلاق الرذيلة كلمة واحدة ايضاً. كما اُثبت ذلك في (اشارات الاعجاز).
الكلمة الاولى: (ان شبعتُ، فلا عليّ ان يموت غيري من الجوع).
الكلمة الثانية: (اكتسبْ انتَ، لآكل انا، واتعبْ انت لأستريح أنا).
نعم، انه لا يمكن العيش بسلام ووئام في مجتمع إلاّ بالمحافظة على التوزان القائم بين الخواص والعوام، اي بين الاغنياء والفقراء، واساس هذا التوزان هو رحمة الخواص وشفقتهم على العوام، واطاعة العوام واحترامهم للخواص.
فالآن، ان الكلمة الاولى قد ساقت الخواص الى الظلم والفساد، ودفعت الكلمة الثانية العوام الى الحقد والحسد والصراع. فسُلبت البشرية الراحة والامان لعصور خلت كما هو في هذا العصر، حيث ظهرت حوادث اوربا الجسام بالصراع القائم بين العاملين واصحاب رأس المال كما لا يخفى على أحد.
فالمدنية بكل جمعياتها الخيرية ومؤسساتها الاخلاقية وبكل وسائل نظامها وانضباطها الصارم عجزت عن ان تصلح بين تينك الطبقتين من البشر كما عجزت عن ان تضمد جرحي الحياة البشرية الغائرَين.
أما القرآن الكريم فانه يقلع الكلمة الاولى من جذورها، ويداويها بوجوب الزكاة. ويقلع الكلمة الثانية من اساسها ويداويها بحرمة الربا.