تلقّن العلوم الإلهية والحكمة الربانية، فجمع فيكم سلطنة الدنيا السعيدة وسعادة الآخرة الخالدة، وجعلك بالعلم والحكمة عزيزاً لمصر ونبياً عظيماً ومرشداً حكيماً.. فبعد أن يذكر تلك النعم ويعدّدها وكيف ان الله قد جعله هو واباءه ممتازين بالعلم والحكمة، يقول: ﴿ان ربك عليم حكيم﴾ أي اقتضت ربوبيته وحكمته ان يجعلك واباءك تحظون بنور اسم (العليم الحكيم).
وهكذا أجمل تلك النعم المفصّلة بهذه الخلاصة.
ومثلاً: قوله تعالى ﴿قل اللّهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء﴾ الى قوله تعالى ﴿وترزق من تشاء بغير حساب﴾(آل عمران:27)
تعرض هذه الآية أفعال الله سبحانه في المجتمع الانساني وتفيد:
بأن العزة والذلة والفقر والغنى مربوطة مباشرة بمشيئة الله وارادته تعالى. أي: (ان التصرف في اكثر طبقات الكثرة تشتتاً انما هو بمشيئة الله وتقديره فلا دخل للمصادفة قط).
فبعد ان اعطت الآية هذا الحكم، تقول: ان اعظم شئ في الحياة الانسانية هو رزقه، فتثبت ببضع مقدمات ان الرزق انما يرسل مباشرة من خزينة الرزاق الحقيقي؛ إذ إن رزقكم منوط بحياة الارض، وحياة الارض منوطة بالربيع، والربيع انما هو بيد من يسخر الشمس والقمر ويكور الليل والنهار. اذاً فان منح تفاحة لإنسان رزقاً حقيقياً، انما هو من فعل من يملأ الارض بانواع الثمرات، وهو الرزاق الحقيقي.
وبعد ذلك يجمل القرآن ويثبت تلك الافعال المفصّلة بهذه الخلاصة: ﴿وترزق من تشاء بغير حساب﴾.
النكتة البلاغية الرابعة:
ان القرآن قد يذكر المخلوقات الإلهية مرتبة بترتيب معين ثم يبين به ان في المخلوقات نظاماً وميزاناً، يُريان ثمرة المخلوقات وكأنه يضفي نوعاً من الشفافية والسطوع على المخلوقات التي تظهر منها