الاسماء الإلهية المتجلية فيها، فكأن تلك المخلوقات المذكورة ألفاظ، وهذه الاسماء معانيها، أو انها ثمرات وهذه الاسماء نواها أو لبابها.
فمثلاً: ﴿ولقد خلقنا الانسان من سلالةٍ من طين ثم جعلناهُ نطفةً في قرارٍ مكين ثم خلقنا النطفةَ عَلَقةً فخلقنا العلقة مُضغةً فخلقنا المُضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم انشأناهُ خلقاً آخر فتبارك الله احسن الخالقين﴾(المؤمنون:12ـ14) يذكر القرآن خلق الانسان واطواره العجيبة الغريبة البديعة المنتظمة الموزونة ذكراً مرتباً يبيّن كالمرآة ﴿فتبارك الله احسنُ الخالقين﴾، حتى كأن كل طـور يبـين نفسه ويـوحي بنفسه هـذه الآيـة، بل حـتـى قـالـها قبل مجيئها احـد كتّاب الوحي حينما كان يـكـتب هـذه الآية، فذهب به الظن الى أن يقول: أأوحي اليّ ايضاً؟ والحال أن كمال نظام الكلام الأول وشفافيته الرائقة وانسجامه التام يظهر نفسه قبل مجئ هذه الكلمة.
وكذا قوله تعالى:
﴿ان ربكم الله الذي خلق السموات والارض في ستة ايامٍ ثم استوى على العرش يُغشي الّيل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخّراتٍ بأمره ألا له الخلقُ والامرُ تبارك الله ربُ العالمين﴾(الاعراف: 54)
يبين القرآن في هذه الآية عظمة القدرة الإلهية وسلطنة الربوبية بوجه يدلّ على قدير ذي جلال استوى على عرش ربوبيته ويسطّر آيات ربوبيته على صحائف الكون ويحوّل الليل والنهار كأنهما شريطان يعقب احدهما الاخر. والشمس والقمر والنجوم متهيئة لتلقي الاوامر كجنود مطيعين. لذا فكل روح ما ان تسمع هذه الآية إلاّ وتقول: تبارك الله رب العالمين.. بارك الله.. ماشاء الله. أي أن جملة ﴿تبارك الله رب العالمين﴾ تجري مجرى الخلاصة لما سبق من الجمل وهي بحكم نواتها وثمرتها وماء حياتها.
مزية الجزالة الخامسة: