الكلمات | الكلمة الخامسة والعشرون | 568
(487-598)

تبين هذه الآيات: كيف أن الله تعالى قد خلق هذا الكون للانسان في حكم قصر، وارسل ماء الحياة من السماء الى الارض، فجعل السماء والارض مسخرتين كأنهما خادمان عاملان على ايصال الرزق الى الناس كافة، كما سخر له السفينة ليمنح الفرصة لكل أحد، ليستفيد من ثمار الارض كافة، ليضمن له العيش فيتبادل الافراد فيما بينهم ثمار سعيهم واعمالهم. أي جعل لكل من البحر والشجر والريح أوضاعاً خاصة بحيث تكون الريح كالسوط والسفينة كالفرس والبحر كالصحراء الواسعة تحتها. كما انه سبحانه جعل الانسان يرتبط مع كل ما في انحاء المعمورة بالسفينة وبوسائط نقل فطرية في الانهار والروافد وسيّر له الشمس والقمر وجعلهما ملاحين مأمورين لإدارة دولاب الكائنات الكبير واحضار الفصول المختلفة واعداد ما فيها من نعم إلهية. كما سخر الليل والنهار جاعلاً الليل لباساً وغطاءً ليخلد الانسان الى الراحة والنهار معاشاً ليتجر فيه.
وبعد تعداد هذه النعم الإلهية تأتي الآية بخلاصة ﴿وآتاكم من كل ما سألتموه وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها﴾ لبيان مدى سعة دائرة انعام الله تعالى على الانسان وكيف انها مملوءة بانواع النعم أي: ان كل ما سأله الانسان بحاجته الفطرية وبلسان استعداده قد منحه الله تعالى اياه. فتلك النعم لا تدخل في الحصر ولا تنفد ولا تنقضي بالتعداد.
نعم، ان كانت السموات والارض مائدة من موائد نعمه العظيمة وكانت الشمس والقمر والليل والنهار بعضاً من تلك النعم التي احتوتها تلك المائدة، فلا شك أن النعم المتوجهة الى الانسان لا تعد ولاتحصى.
 سر البلاغة السابعة:
قد تبين الآية غايات المسَبَّب وثمراته لتعزل السبب الظاهري وتسلب منه قدرة الخلق والايجاد. وليُعلَم ان السبب ما هو الاّ ستار ظاهري؛ ذلك لأن ارادة الغايات الحكيمة والثمرات الجليلة يلزم ان يكون من شأن من هو عليم مطلق العلم وحكيم مطلق الحكمة، بينما

لايوجد صوت