الكلمات | الكلمة الخامسة والعشرون | 569
(487-598)

سببها جامدٌ من غير شعور. فالآية تفيد بذكر الثمرات والغايات: ان الاسباب وإن بدتْ في الظاهر والوجود متصلة مع المسببَّات إلاّ ان بينهما في الحقيقة وواقع الأمر بوناً شاسعاً جداً.
نعم! ان المسافة بين السبب وايجاد المسبَّب مسافة شاسعة بحيث لا طاقة لأعظم الاسباب ان تنال ايجاد أدنى مسبَّب، ففي هذا البعد بين السبب والمسبَّب تشرق الاسماء الإلهية كالنجوم الساطعة. فمطالع تلك الاسماء هي في تلك المسافة المعنوية، اذ كما يُشاهد اتصال أذيال السماء بالجبال المحيطة بالافق وتبدو مقرونة بها، بينما هناك مسافة عظيمة جداً بين دائرة الافق والسماء، كذلك فان ما بين الاسباب والمسببات مسافة معنوية عظيمة جداً لا تُرى الاّ بمنظار الايمان ونور القرآن. فمثلاً:
﴿فلينظر الانسانُ الى طعامهِ أنّا صَببنا الماء صبّاً ثم شققنا الارض شقّاً فانبتنا فيها حبّاً وعنباً وقـضباً وزيتوناً ونخلاً وحدائقَ غُلباً وفاكهة وأبّاً متاعاً لكم ولأنعامكم﴾(عبس:24 – 32).
هذه الآيات الكريمة تذكر معجزات القدرة الإلهية ذكراً مرتباً حكيماً تربط الاسباب بالمسببات، ثم في خاتمة المطاف تبيّن الغاية بلفظ ﴿متاعاً لكم ولأنعامكم﴾ فتثبت في تلك الغاية أن متصرفاً مستتراً وراء جميع تلك الاسباب والمسببات المتسلسلة يرى تلك الغايات ويراعيها. وتؤكد أن تلك الاسباب ما هي إلاّ حجاب دونه.
نعم ان عبارة ﴿متاعاً لكم ولأنعامكم﴾ تسلب جميع الاسباب من القدرة على الايجاد والخلق. اذ تقول معنىً:
ان الماء الذي ينزل من السماء لتهيئة الارزاق لكم ولأنعامكم لا ينزل بنفسه، لأنه ليس له قابلية الرحمة والحنان عليكم وعلى انعامكم كي يرأف بحالكم؛ فاذاً يُرسل إرسالاً.
وان التراب الذي لاشعُور له، لأنه بعيد كل البعد من أن يرأف بحالكم فيهئ لكم الرزق، فلا ينشق اذاً بنفسه، بل هناك مَن يشقّه ويفتح

لايوجد صوت