فلأجل جعل هذا المقصد الجزئي كلياً تفيد الآية بأن الذي يسمع ادنى حادثة من المخلوقات ويراها، يلزم ان يكون ذلك الذي يسمع كل شئ ويراه، وهو المنزّه عن الممكنات. والذي يكون رباً للكون لابد أن يرى ما في الكون اجمع من مظالم ويسمع شكوى المظلومين، فالذي لا يرى مصائبهم ولا يسمع استغاثاتهم لايمكن ان يكون رباً لهم.
لذا فان جملة ﴿ان الله سميع بصير﴾ تبين حقيقتين عظيمتين. كما جعلت المقصد الجزئي أمراً كلياً.
ومثل ثان:
﴿سبحانَ الذي اسرى بعبدهِ ليلاً من المسجدِ الحرام الى المسجد الاقصا الذي باركنا حوله لنُريهُ من آياتنا انه هو السميعُ البصير﴾(الاسراء:1).
ان القرآن الكريم يختم هذه الآية بـ﴿انه هو السميع البصير﴾ وذلك بعد ذكره إسراء الرسول الحبيب y من مبدأ المعراج - أي من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى - ومنتهاه الذي تشير إليه سورة النجم.
فالضمير في (إنّه) إما أن يرجع الى الله تعالى، أو الى الرسول الكريم y فاذا كان راجعاً الى الرسول y، فان قوانين البلاغة ومناسبة سياق الكلام تفيدان: أنّ هذه السياحة الجزئية، فيها من السير العمومي والعروج الكلي ما قد سَمِع وشاهَدَ كلَّ ما لاقى بَصَره وسمعَه من الآيات الربانية، وبدائع الصنعة الإلهية اثناء ارتقائه في المراتب الكلية للاسماء الإلهية الحسنى البالغة الى سدرة المنتهى، حتى كان قاب قوسين أو أدنى. مما يدل على أن هذه السياحة الجزئية هي في حُكم مفتاحٍ لسياحةٍ كليةٍ جامعة لعجائب الصنعة الإلهية(1).
(1) جاء في تفسير روح المعاني للعلامة الآلوسي (ج 15/ص14) ما يأتي: ((واما على تقدير كون الضمير للنبي y، كما نقله ابو البقاء عن بعضهم وقال: أي السميع لكلامنا البصير لذاتنا، وقال الجلبي: انه لا يبعد، والمعنى عليه: ان عبدي الذي شرفته بهذا التشريف هو المستأهل له فانه السميع لأوامري ونواهي، العامل بهما، البصير الذي ينظر