الصدور﴾ بعد آية ﴿يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل﴾(الحديد:6) أي يعقب نفوذ علمه سبحانه الى خفايا الصدور بعد ذكره عظمة الخلق في السموات والأرض وبسطها أمام الأنظار. فيقر في الأذهان أنه يعلم خواطر القلوب وخوافي شؤونها ضمن جلال خلاقيته للسموات والأرض وتدبيره لشؤونها. فهذا التعقيب: ﴿وهو عليم بذات الصدور﴾ لون من البيان يحول ذلك الأسلوب السهل الواضح الفطري - القريب الى افهام العوام - الى ارشاد سامٍ وتبليغ عام جذاب.
سؤال: ان النظرة السطحية العابرة لا تستطيع ان ترى ما يورده القرآن الكريم من حقائق ذات اهمية، فلا تعرف نوع المناسبة والعلاقة بين فذلكة تعبر عن توحيد سام أو تفيد دستوراً كلياً، وبين حادثة جزئية معتادة؛ لذا يتوهم البعض ان هناك شيئاً من قصور في البلاغة، فمثلاً لا تظهر المناسبة البلاغية في ذكر دستور عظـيم:
﴿وفوق كل ذي علم عليم﴾ تعقيباً على حادثة جزئية وهي ايواء يوسف عليه السلام أخاه اليه بتدبير ذكي. فيرجى بيان السر في ذلك وكشف الحجاب عن حكمته؟
الجواب: ان اغلب السور المطولة والمتوسطة - التي كل منها كأنها قرآن على حدة - لا تكتفي بمقصدين او ثلاثة من مقاصد القرآن الاربعة (وهي: التوحيد، النبوة، الحشر، العدل مع العبودية) بل كل منها يتضمن ماهية القرآن كلها، والمقاصد الأربعة معاً، أي كل منها: كتاب ذكر وايمان وفكر، كما أنه كتاب شريعة وحكمة وهداية. فكل سورة من تلك السُوَر تتضمن كُتباً عدة، وترشد الى دروس مختلفة متنوعة. فتجد ان كل مقام - بل حتى الصحيفة الواحدة - يفتح أمام الإنسان ابواباً للايمان يحقق بها اقرار مقاصد أخرى حيث أن القرآن يذكر ما هو مسطور في كتاب الكون الكبير ويبينه بوضوح، فيرسخ في اعماق المؤمن احاطة ربوبيته سبحانه بكل شئ، ويريه تجلياتها المهيبة في الآفاق والأنفس. لذا فان ما يبدو من مناسبة ضعيفة، يبنى عليها مقاصد كلية فتتلاحق مناسبات وثيقة وعلاقات قوية بتلك