المناسبة الضعيفة ظاهراً، فيكون الاسلوب مطابقاً تماماً لمقتضى ذلك المقام، فتتعالى مرتبته البلاغية.
سؤال آخر: ما حكمة سَوق القرآن الوف الدلائل لاثبات امور الآخرة وتلقين التوحيد واثابة البشر؟ وما السر في لفته الانظار الى تلك الامور صراحة وضمناً واشارة في كل سورة بل في كل صحيفة من المصحف وفي كل مقام؟
الجواب: لأن القرآن الكريم ينبه الانسان الى اعظم انقلاب يحدث ضمن المخلوقات ودائرة الممكنات في تأريخ العالم.. وهو الآخرة. ويرشده الى اعظم مسألة تخصه وهو الحامل للامانة الكبرى وخلافة الأرض.. تلك هي مسألة التوحيد الذي تدور عليه سعادته وشقاوته الأبديتان. وفي الوقت نفسه يزيل القرآن سيل الشبهات الواردة دون انقطاع، ويحطم أشد انواع الجحود والانكار المقيت.
لذا لو قام القرآن بتوجيه الانظار الى الأيمان بتلك الأنقلابات المدهشة وحمل الآخرين على تصديق تلك المسألة العظيمة الضرورية للبشر.. نعم لو قام به آلاف المرات وكرر تلك المسائل ملايين المرات لايعد ذلك منه إسرافاً في البلاغة قط، كما أنه لايولد سأماً ولا مللاً ألبتة، بل لا تنقطع الحاجة الى تكرار تلاوتها في القرآن الكريم، حيث ليس هناك أهم ولا أعظم مسألة في الوجود من التوحيد والآخرة.
فمثلاً: ان حقيقة الآية الكريمة: ﴿ان الذين امنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الانهار ذلك الفوز الكبير﴾(البروج:11) هي بشرى السعادة الخالدة تزفها هذه الآية الكريمة الى الانسان المسكين الذي يلاقي حقيقة الموت كل حين، فتنقذه هذه البشرى من تصور الموت اعداماً أبدياً، وتنجيه - وعالمه وجميع أحبته - من قبضة الفناء، بل تمنحه سلطنة ابدية، وتكسبه سعادة دائمة.. فلو تكررت هذه الآية الكريمة ملياراً من المرات لايعد تكرارها من الاسراف قط، ولا يمس