السنين يتلون القرآن الكريم بلهفة وشوق وبحاجة ماسة اليه دون ملل ولاسأم.
نعم، ان كل وقت وكل يوم إنما هو عالمٌ يمضي وباب ينفتح لعالم جديد لذا فان تكرار (لا إله إلا الله) بشوق الحاجة اليها ألوف المرات لأجل اضاءة تلك العوالم السيارة كلها وانارتها بنور الايمان، يجعل تلك الجملة التوحيدية كأنها سراج منير في سماء تلك العوالم والايام. فكما أن الأمر هكذا في (لا إله إلاّ الله) كذلك تلاوة القرآن الكريم فهي تبدد الظلام المخيم على تلك الكثرة الكاثرة من المشاهد السارية، وعلى تلك العوالم السيارة المتجددة، وتزيل التشوه والقبح عن صورها المنعكسة في مرآة الحياة، وتجعل تلك الاوضاع المقبلة شهوداً له يوم القيامة لا شهوداً عليه. وترقّيه الى مرتبة معرفة عِظَم جزاء الجنايات، وتجعله يدرك قيمة النذر المخفية لسلطان الازل والابد التي تشتت عناد الظالمين الطغاة، وتشوّقه الى الخلاص من طغيان النفس الأمارة بالسوء.. فلأجل هذه الحكم كلها يكرر القرآن الكريم ما يكرر في غاية الحكمة، مظهراً ان النذر القرآنية الكثيرة الى هذا القدر، وبهذه القوة والشدة والتكرار حقيقة عظمى، ينهزم الشيطان من توهمها باطلا، ويهرب من تخيلها عبثاً. نعم ان عذاب جهنم لهو عين العدالة لأولئك الكفار الذين لا يعيرون للنذر سمعاً.
ومن المكررات القرآنية (قصص الانبياء) عليهم السلام، فالحكمة في تكرار قصة موسى عليه السلام. - مثلاً - التي لها من الحكم والفوائد ما لعصا موسى، وكذا الحكمة في تكرار قصص الأنبياء انما هي لاثبات الرسالة الأحمدية وذلك بأظهار نبوة الانبياء جميعهم حجةً على احقية الرسالة الاحمدية وصدقها؛ حيث لا يمكن أن ينكرها إلاّ من ينكر نبوتهم جميعاً. فذكرها اذن دليل على الرسالة.
ثم إن كثيراً من الناس لا يستطيعون كل حين ولا يوفقون الى تلاوة القرآن الكريم كله، بل يكتفون بما يتيسر لهم منه. ومن هنا تبدو الحكمة واضحة في جعل كل سورة مطولة ومتوسطة بمثابة قرآن مصغر، ومن ثم تكرار القصص فيها بمثل تكرار أركان الايمان