الكلمات | ذيلرسالة الاجتهاد | 668
(664-677)

الكذب المرعب وستر جمال الصدق الباهر.
فهل يقوى احد على الجرأة في عصر كهذا ويدّعي: استطيع ان ادنو من مرتبة اولئك الكرام العظام الذين بلغوا من اليقين والتقوى والعدالة والصدق وبذل النفس والنفيس في سبيل الحق مالم يبلغه احد، فضلاً عن ان يسبقهم؟
سأورد حالة مرت علي توضح جانباً من هذه المسألة:
لقد خطر على قلبي ذات يوم سؤال وهو: لِمَ لا يبلغ اشخاص امثال محي الدين بن عربي مرتبة الصحابة الكرام؟ ثم لاحظت في اثناء قولي في سجودٍ في صلاة: (سبحان ربي الاعلى) ان شيئا من الحقائق الجليلة لمعاني هذه الكلمة الطيبة قد انكشف لي، لا اقول كلها، بل انكشف شئ منها. فقلت في قلبي: ليتني احظى بصلاة كاملة تنكشف لي من معانيها ما انكشف من معاني هذه الكلمة المباركة فهي خير من عبادة سنة كاملة من النوافل. ثم ادركت عقب الصلاة ان تلك الخاطرة وتلك الحال كانت جواباً على سؤالي، وارشاداً الى استحالة ادراك احد من الناس درجة الصحابة الكرام في العبادة، ذلك ان التغيير الاجتماعي العظيم الذي أحدثه القرآن الكريم بأنواره الساطعة قد ميَّز الاضداد بعضها عن البعض الآخر، فالشرور بجميع توابعها وظلماتها اصبحت في مجابهة الخير والكمالات مع جميع انوارها ونتائجها. ففي هذه الحالة المحفزة لانطلاق نوازع الخير والشر من عقالها، تنبهت لدى اهل الخير نوازعه فغدا كل ذكر وتسبيح وتحميد يفيد لديهم معانيه كاملة ويعبر عنها تعبيراً ندياً نضراً. فارتشفت مشاعرهم المرهفة ولطائفهم الطاهرة بل حتى خيالهم وسرهم رحيق المعاني السامية العديدة لتلك الاذكار ارتشافاً صافياً يقظاً حسب اذواقها الرقيقة. وبناء على هذه الحكمة، فان الصحابة الكرام الذين كانو يملكون مشاعر حساسة مرهفة وحواس منتبهة ولطائف يقظة، عندما يذكرون تلك الكلمات المباركة الجامعة لانوار الايمان والتسبيح والتحميد يشعرون بجميع معانيها ويأخذون حظهم منها بجميع لطائفهم الزكية.

لايوجد صوت