الكلمات | ذيلرسالة الاجتهاد | 669
(664-677)

بيد ان الامور لم تبق على ذلك الوضع الندي والطراوة والجدة فتبدلت تدريجياً بمرور الزمن حتى غطت اللطائف في نوم عميق، وغفلت المشاعر والحواس وانصرفت عن الحقائق ففقدت الاجيال اللاحقة شيئاً فشيئاً قدرتهم على تذوق طراوة تلك الكلمات الطيبة والتلذذ بطعومها ونداوتها. فغدت لديهم كالثمار الفاقدة لطراواتها ونضارتها، حتى لكأنها جفت ويـبست ولم تعد تحمل لهم الا نزراً يسيراً من الطراوة، لا تستخلص الا بعد اعمال الذهن والتفكر العميق، وبذل الجهد وصرف الطاقة، لذا فالصحابي الجليل الذي ينال مقاماً وفضيلة في اربعين دقيقة لا يناله غيره الا في اربعين يوماً، بل في اربعين سنة، وذلك بفضل الصحبة النبوية الشريفة.
 السبب الثالث:
لقد اثبتنا في كل من الكلمات (الثانية عشرة والرابعة والعشرين والخامسة والعشرين):
ان نسبة النبوة الى الولاية كنسبة الشمس المشهودة بذاتها الى صورتها المثالية الظاهرة في المرايا، لذا فان سمو منزلة العاملين في دائرة النبوة وهم الصحابة الكرام الذين كانوا اقرب النجوم الى تلك الشمس الساطعة، وعلو مرتبتهم على الاولياء الصالحين هو بنسبة سمو دائرة النبوة وعلوها على دائرة الولاية، بل حتى لو كسب احد الاولياء مرتبة الولاية الكبرى، وهي مرتبة ورثة الانبياء والصديقين وولاية الصحابة، فانه لا يبلغ مقام اولئك الصفوة المتقدمين في الصف الاول، رضوان الله تعالى عليهم اجمعين.
سنبين ثلاثة اوجه فقط من بين الوجوه العديدة لهذا السبب الثالث:
الوجه الاول:
لا يمكن اللحاق بالصحابة الكرام في الاجتهاد، اي في استنباط الاحكام، اي ادراك مرضاة الله سبحانه من خلال كلامه؛ لان محور ذلك الانقلاب الإلهي العظيم الذي حدث في ذلك الوقت كان يدور على مرضاة الرب من خلال فهم احكامه الإلهية. فالاذهان كلها كانت مفتوحة متوجهة الى استنباط الاحكام، والقلوب كلها كانت متلهفة الى

لايوجد صوت