بينما الانسان في دار السعادة الأبدية، وهو المالك لاستعدادات غير متناهية، يطرق باب رحمة غير متناهية، بلسان احتياجات غير متناهية، وبيد رغبات غير متناهية، فلاشك ان نيله لاحسانات إلهية كما ورد في الأحاديث الشريفة معقول وحق وحقيقة قطعاً.
وسنرصد هذه الحقيقة السامية بمنظار تمثيلي على النحو الآتي:
ان لكل بستان من البساتين الموجودة في (بارلا) صاحبه ومالكه كما هو الحال في بستان هذا الوادي(1)، الاّ ان كل نحل وطير وعصفور في (بارلا) يستطيع القول: ان جميع بساتين (بارلا) ورياضها متنزهاتي وميدان جولاني، بالرغم من انه تكفيه حفنة من قوت. أي انه يضم (بارلا) كلها في ملكه. ولا يجرح حكمه هذا اشتراك الآخرين معه.
وكذلك الانسان - الذي هو حقاً انسان - يصح له أن يقول: ان خالقي قد جعل لي هذه الدنيا كلها بيتاً، والشمس سراجاً، والنـجوم مصــابيــح، والأرض مهــداً مفروشاً بزرابي مبثوثة مزهرة. يقول هذا ويشكر ربه. ولا ينقض حكمَه هذا اشتراك المخلوقات الأخرى معه في الدنيا، بل المخلوقات تزيّن الدنيا وتجمّلها.
تُرى لو أدّعى انسان أو طير نوعاً من التصرف، في مثل هذه الدوائر العظمى، ونال نعماً جسيمة في هذه الدنيا الضيقة جداً ، فكيف يُستبعد اذن الاحسان إليه بملك عظيم، ما بين كل درجتين مسيرة خمسمائة عام في دار سعادة واسعة أبدية؟.
ثم اننا نشاهد ونعلم في هذه الدنيا الكثيفة المظلمة الضيقة وجود الشمس بعينها في مرايا كثيرة جداً في آن واحد.. ووجود ذاتٍ نورانية في أماكن كثيرة في آن واحد.. وحضور جبرائيل عليه السلام في ألف نجم ونجم وامام العرش الاعظم، وفي الحضرة النبوية وفي الحضرة الإلهية في آن واحد.. ولقاء الرسول y أتقياء أمته في الحشر الأعظم في آن واحد.. وظهوره y في الدنيا في مقامات لا تحد فـي آن واحد.. ومشاهدة الأبدال - وهم نوع غريب من الأولياء - في أماكن كثيرة في
(1) هو بستان سليمان الذي خدم هذا الفقير ثماني سنوات بوفاء تام، وقد كتب هذا البحث هناك في غضون ما يقرب من ساعتين. - المؤلف.